فصل: 1971- باب مَا جَاءَ في عَقْدِ التّسْبِيحِ باليَد

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري ***


1964- باب مَا جَاءَ في جَامِعِ الدّعَوَاتِ عَن رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم

هو من إفاضة الصفة إلى الموصوف أي الدعوات الجامعة لمعان كثيرة في ألفاظ يسيرة‏.‏

3610- حدثنا جَعْفَرُ بنُ مُحمّدِ بنِ عِمْرَانَ الثّعْلَبِيّ الكُوفِيّ، حدثنا زَيْدُ بنُ حُبَابٍ عَن زهير بن معاوية عن مَالِكِ بنِ مِغْوَلٍ عَن عَبْدِ الله بنِ بُرَيْدَةَ الأسْلَمِيّ عَن أَبِيهِ قالَ‏:‏ ‏"‏سَمِعَ النبيّ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً يَدْعُو وهُوَ يَقُولُ‏:‏ اللّهُمّ إِنّي أَسْألُكَ بِأنّي أَشْهَدُ أَنّكَ أَنْتَ الله لا إلَهَ إِلاّ أَنْتَ الأحَدُ الصّمَدُ الّذي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفْواً أحَدٌ‏.‏ قالَ‏:‏ فقالَ‏:‏ وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ سَألَ الله باسْمِهِ الأعْظَمِ الّذِي إذَا دُعِيَ بِهِ أجَابَ وَإذَا سُئِلَ بِهِ أعْطَى‏"‏ قالَ زيْدٌ فَذَكَرْتُهُ لِزُهَيْرِ بنِ مُعَاوِيَةَ بَعْدَ ذَلِكَ بِسِنِينَ فقالَ حدثني أَبُو إسْحَاقَ عَن مَالِكِ بنِ مِغْوَلٍ قالَ زَيْدٌ ثُمّ ذَكَرْتُهُ لِسُفْيَانَ فَحَدّثَنِي عَن مالِكٍ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسنٌ غَريبٌ‏.‏ وَرَوَى شَرِيكٌ هَذَا الحَدِيثَ عَن أَبي إسْحَاقَ عَن ابنِ بُرَيْدَةَ عَن أَبيهِ وَإِنّمَا أخَذَهُ أَبُو إسْحَاقَ الهمداني عَن مَالِكِ بنِ مِغْوَلٍ‏.‏

3611- حدثنا عَلِيّ بنُ خَشْرَمٍ أَخبرنا عِيسَى بنُ يُونُسَ عَن عُبَيْدِ الله بنِ أَبي زِيَادٍ القَدّاحِ كذا قال عَن شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ عَن أسْماءَ بِنْتِ يَزِيدَ أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏اسْمُ الله الأعْظَمُ في هَاتَيْنِ الاَيَتَيْنِ ‏{‏وَإِلَهُكُمْ إلَهٌ وَاحِدٌ لاَ إِلَهَ إلاّ هُوَ الرّحْمَنُ الرّحِيمُ‏}‏‏.‏ وَفَاتِحَة آلِ عِمْرَانَ‏:‏ ‏{‏أَلم الله لا إلَهَ إلاّ هُوَ الْحَيّ القَيّومُ‏}‏‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏الثعلبي‏)‏ بفتح المثلثة وسكون المهملة وفتح اللام وكسر الموحدة ‏"‏اللهم إني أسألك‏"‏ لم يذكر المسؤول لعدم الحاجة إليه ‏"‏بأني أشهد‏"‏ الباء للسببية أي بسبب أني أشهد أنك أنت الله الخ ‏"‏الأحد‏"‏ أي بالذات والصفات ‏"‏الصمد‏"‏ أي المقصود في الحوائج على الدوام ‏"‏الذي لم يلد‏"‏ لانتفاء مجانسته ‏"‏ولم يولد‏"‏ لانتفاء الحدوث عنه ‏"‏ولم يكن له كفواً أحد‏"‏ أي مكافياً ومماثلاً فله متعلق بكفواً وقدم عليه لأنه محط القصد بالنفي وأخر أحد وهو إسم يكن عن خبرها رعاية للفاصلة ‏(‏قال‏)‏ أي بريدة ‏(‏فقال‏)‏ أي النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏لقد سأل الله بإسمه الأعظم‏"‏ قال الطيبي‏:‏ فيه دلالة على أن لله تعالى إسماً أعظم إذا دعي به أجاب وأن ذلك مذكور ههنا، وفيه حجة على من قال كل إسم ذكر بإخلاص تام مع الإعراض عما سواه هو الإسم الأعظم إذ لا شرف للحروف، وقد ذكر في أحاديث أخر مثل ذلك وفيها أسماء ليست في هذا الحديث إلا أن لفظ الله مذكور في الكل فيستدل بذلك على أنه الإسم الأعظم انتهى ‏"‏الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى‏"‏ السؤال أن يقول العبد أعطني الشيء الفلاني فيعطي، والدعاء أن ينادي ويقول يا رب فيجيب الرب تعالى ويقول لبيك يا عبدي، ففي مقابلة السؤال الإعطاء وفي مقابلة الدعاء الإجابة وهذا هو الفرق بينهما، ويذكر أحدهما مقام الاَخر أيضاً‏.‏ وقال الطيبي‏:‏ إجابة الدعاء وتدل على وجاهة الداعي عند المجيب فيتضمن قضاء الحاجة بخلاف الإعطاء فالأخير أبلغ ‏(‏قال زيد‏)‏ أي ابن حباب ‏(‏فذكرته‏)‏ أي هذا الحديث ‏(‏بعد ذلك‏)‏ أي بعد ما سمعه من مالك بن مغول ‏(‏فقال‏)‏ أي زهير ‏(‏حدثني‏)‏ أي هذا الحديث ‏(‏أبو إسحاق‏)‏ هو السبيعي‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح على شرطهما‏.‏ قال المنذري في تلخيص السنن‏:‏ قال شيخنا الحافظ أبو الحسن المقدسي رضي الله عنه وهو إسناد لا مطعن فيه ولا اعلم أنه روى في هذا الباب حديث أجود إسناداً منه وهو يدل على بطلان مذهب من ذهب إلى نفي القول بأن الله إسماً هو الإسم الأعظم وهو حديث حسن انتهى ‏(‏وروى شريك‏)‏ هو ابن عبد الله النخعي القاضي ‏(‏وإنما أخذه أبو إسحاق عن مالك بن مغول‏)‏ كما رواه زهير بن معاوية‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن عبيد الله بن أبي زياد القداح‏)‏ المكي كنيته أبو الحصين ليس بالقوى‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏وفاتحة آل عمران‏"‏ بالجر على أنها وما قبلها بدلان ويجوز الرفع والنصب ووجههما ظاهر ‏{‏ألم الله الخ‏}‏ بدل مما قبله‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة قال المنذري في تلخيص السنن ما لفظه‏:‏ وأخرجه الترمذي وقال حديث حسن هذا آخر كلامه‏.‏ وشهر بن حوشب وثقه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وتكلم فيه غير واحد، وفي إسناده أيضاً عبيد الله بن أبي زياد القداح المكي وقد تكلم فيه غير واحد انتهى‏.‏

إعلم أن هذا الحديث والذي قبله يدلان على أن لله تعالى إسماً أعظم إذا دعي به أجاب، وفي الباب أحاديث أخرى وقد أنكره بعض أهل العلم، والقول الراجح قول من أثبته، وأحاديث الباب حجة على المنكرين‏.‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ وقد أنكره قوم كأبي جعفر الطبري وأبي الحسن الأشعري وجماعة بعدهما كأبي حاتم بن حبان والقاضي أبي بكر الباقلاني فقالوا لا يجوز تفضيل بعض الأسماء على بعض، ونسب ذلك بعضهم لمالك لكراهيته أن تعاد سورة أو ترددون غيرها من السور لئلا يظن أن بعض القرآن أفضل من بعض فيؤذن ذلك باعتقاد نقصان المفضول عن الأفضل، وحملوا ما ورد من ذلك على أن المراد بالأعظم العظيم وأن أسماء الله كلها عظيمة‏.‏ وقال ابن حبان الأعظمية الواردة في الأخبار إنما يراد بها مزيد ثواب الداعي بذلك كما أطلق ذلك في القرآن والمراد به مزيد ثواب القاري‏.‏ وقال آخرون استأثر الله تعالى بعلم الإسم الأعظم ولم يطلع عليه أحداً من خلقه وأثبته آخرون معيناً واضطربوا في ذلك، قال وجملة ما وقفت عليه في ذلك أربعة عشر قولاً فذكرها ومنها الله لأنه إسم لم يطلق على غيره ولأنه الأصل في الأسماء الحسنى ومن ثم أضيفت إليه، ومنها الرحمن الرحيم الحي القيوم لما أخرج الترمذي من حديث أسماء بنت يزيد يعني حديثها المذكور في هذا الباب، ومنها الحي القيوم أخرج ابن ماجة من حديث أبي أمامة‏:‏ الإسم الأعظم في ثلاث سورة البقرة وآل عمران وطه، قال القاسم الراوي عن أبي أمامة التمسته منها فعرفت أنه الحي القيوم وقواه الفخر الرازي واحتج بأنهما يدلان من صفات العظمة بالربوبية ما لا يدل على ذلك غيرهما كدلالتهما، ومنها‏:‏ الحنان المنان بديع السماوات والأرض ذو الجلال والإكرام الحي القيوم، ورد ذلك مجموعاً في حديث أنس عند أحمد والحاكم وأصله عند أبي داود والنسائي وصححه ابن حبان، ومنها الله لا إله إلا هو الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد‏.‏ أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجة وابن حبان والحاكم من حديث بريدة‏.‏ قال الحافظ وهو أرجح من حيث السند من جميع ما ورد في ذلك انتهى وإن شئت الوقوف على الأقوال الباقية فارجع إلى الفتح‏.‏ وقال الشوكاني في تحفة الذاكرين‏:‏ قد اختلف في تعيين الإسم الأعظم على نحو أربعين قولاً قد أفردها السيوطي بالتصنيف قال ابن حجر‏:‏ وأرجحها من حيث السند الله لا إله إلا هو الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد‏.‏ وقال الجزري في شرح الحصن الحصين‏:‏ وعندي أن الإسم الأعظم لا إله إلا هو الحي القيوم‏.‏ وذكر ابن القيم في الهدى أنه الحي القيوم فينظر في وجه ذلك انتهى‏.‏

1965- باب

3612- حدثنا قُتَيْبَةُ حدثنا رِشدِينُ بنُ سَعْدٍ عَن أبي هانئ الْخَوْلاَنيّ عَن أبي عَلِيّ الْجَنْبِيّ عَن فَضَالَةَ بنِ عُبَيْدٍ قالَ‏:‏ ‏"‏بَيْنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قاعِدٌ إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ فَصَلّى فقالَ اللّهُمّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عَجِلْتَ أَيّهَا المُصَلّي إِذَا صَلّيْتَ فَقَعَدْتَ فاحْمَدِ الله بِمَا هُوَ أَهْلُهُ وَصَلّ عَلَيّ ثُمّ ادْعُهُ، قالَ ثُمّ صَلّى رَجُلٌ آخَرُ بَعْدَ ذَلِكَ فَحَمِدَ الله وصَلّى عَلَى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقَالَ لَهُ النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ أيّهَا المُصَلّي ادْعُ تُجَبْ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ وَقَدْ رَوَاهُ حَيْوَةُ بنُ شُرَيْحٍ عَن أَبي هانئ الخَوْلاَنِيّ‏.‏ وَأبُو هَانِئ اسَمُهُ حُمَيْدُ بنُ هَانِئ، وَأبُو عَلِيّ الْجَنْبِيّ اسْمُهُ عَمْرُو بنُ مالِكٍ‏.‏

3613- حدثنا عَبْدُ الله بنُ مُعَاوِيَةَ الْجُمَحِيّ وهو رجل صالح، حدثنا صَالحٌ المرّيّ عَن هِشَامِ بنِ حَسّانَ عَن مُحمّدِ بنِ سِيرِينَ عَن أبي هُرَيْرَةَ قالَ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أُدْعُوا الله وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بالإجَابَةِ، وَاعْلَمُوا أَنّ الله لا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لاَهٍ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ هَذَا الوَجْهِ‏.‏

3614- حدثنا محْمودُ بنُ غَيْلاَنَ حدثنا عبد الله بن يزيد حدثنا المقريءُ حدثنا حَيْوَةُ بن شريح حدثني أَبُو هَانِئ الخولاني أَنّ عَمْرَو بنَ مالِكٍ الْجَنْبِيّ أَخْبَرَهُ أَنّهُ سَمِعَ فَضَالَةَ بنَ عُبَيْدٍ يَقُولُ‏:‏ ‏"‏سَمِعَ النبيّ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً يَدْعُو في صَلاَتِهِ فَلَمْ يُصَلّ عَلَى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم عَجِلَ هَذَا ثُمّ دَعَاهُ، فقالَ لَهُ ولِغَيْرِهِ‏:‏ إِذَا صَلّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ الله وَالثّنَاءِ عَلَيْهِ، ثُمّ ليُصَلّ عَلَى النبيّ صلى الله عليه وسلم ثُمّ ليَدْعُ بَعْدُ ما شَاءَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏بينا‏)‏ وفي رواية بينما ‏(‏فقال‏)‏ أي في آخر صلاته أو بعدها ‏"‏عجلت‏"‏ بكسر الجيم ويجوز الفتح والتشديد قاله الأبهري ‏"‏فقعدت‏"‏ قال الطيبي‏:‏ إما عطف على مقدر أي إذا صليت وفرغت فقعدت للدعاء فاحمد الله، وإما عطف على المذكور أي إذا كنت مصلياً فقعدت للتشهد فاحمد الله أي اثن عليه بقولك التحيات لله إلخ قال القارى‏:‏ ويؤيد الأول إطلاق قوله ‏"‏فاحمد الله بما هو أهله‏"‏ أي من كل ثناء جميل‏.‏ قلت‏:‏ ويؤيد الاحتمال الثاني الرواية الاَتية فإن فيها يدعو في صلاته والروايات بعضها يفسر بعضاً ‏"‏ثم ادعه‏"‏ بهاء الضمير وقيل بهاء السكت ‏(‏فحمد الله وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي ولم يدع ‏"‏أدع تجب‏"‏ على بناء المجهول مجزوماً على جواب الأمر دلهما عليه السلام على الكمال‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه أبو داود والنسائي‏.‏

قوله‏:‏ ‏"‏وأنتم موقنون بالإجابة‏"‏ أي والحال أنكم موقنون بها أي كونوا عند الدعاء على حالة تستحقون بها الإجابة من إتيان المعروف واجتناب المنكر ورعاية شروط الدعاء كحضور القلب وترصد الأزمنة الشريفة والأمكنة المنيفة واغتنام الأحوال اللطيفة كالسجود إلى غير ذلك حتى تكون الإجابة على قلوبكم أغلب من الرد، أو أراد وأنتم معتقدون أن الله لا يخيبكم لسعة كرمه وكمال قدرته وإحاطة علمه لتحقق صدق الرجاء وخلوص الدعاء، لأن الداعي ما لم يكن رجاؤه واثناً لم يكن دعاؤه صادقاً ‏"‏من قلب غافل‏"‏ بالإضافة وتركها أي معرض عن الله أو عما سأله ‏"‏لاه‏"‏ من اللهو أي لاعب بما سأله أو مشتغل بغير الله تعالى‏.‏ وهذا عمدة آداب الدعاء ولذا خص بالذكر‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ وأخرجه الحاكم وقال‏:‏ مستقيم الإسناد تفرد به صالح المري وهو أحد زهاد البصرة‏.‏ قال المنذري‏:‏ صالح المري لا شك في زهده لكن تركه أبو داود والنسائي انتهى‏.‏ قلت‏:‏ وللحديث شاهد من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏القلوب أوعية وبعضها أوعى من بعض فإذا سألتم الله عز وجل يا أيها الناس فاسألوه وأنتم موقنون بالإجابة فإن الله لا يستجيب لعبد دعاه عن ظهر قلب غافل‏"‏‏.‏ أخرجه أحمد وحسن المنذري إسناده‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا المقرئ‏)‏ إسمه عبد الله بن يزيد المكي أبو عبد الرحمن ‏(‏حدثنا حيوة‏)‏ بن شريح بن صفوان‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏فلم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ وفي رواية أبي داود لم يمجد الله ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ثم ليدع بعد‏"‏ أي بعد التحميد والصلاة ‏"‏ما شاء‏"‏ أي من دين أو دنيا مما يجوز طلبه‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ تقدم تخريجه‏.‏

1966- باب

3615- حدثنا أَبُو كُرَيْب، أخبرنا أبو مُعَاوِيَة بنُ هِشَامٍ عَن حَمْزَةَ الزّيّات عَن حَبِيبِ بنِ أَبي ثَابِتٍ عن عُرْوَةَ عَن عَائِشَةَ قَالَتْ‏:‏ ‏"‏كانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ‏:‏ اللّهُمّ عَافِني في جَسَدِي، وَعَافِني في بَصَرِي وَاجْعَلْهُ الْوَارِثَ مِنّي، لاَ إلَهَ إلاّ الله الْحَلِيمُ الكَرِيمُ، سُبْحَانَ الله رَبّ العَرْشِ العَظِيمِ، وَالْحَمْدُ لله رَبّ العَالمِينَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ غريبٌ‏.‏ قال‏:‏ سَمِعْتُ مُحّمداً يَقُولُ حَبِيبُ بنُ أَبي ثابِتٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُرْوَةَ بنِ الزّبَيْرِ شَيْئاً والله أعلم‏.‏

- قوله‏:‏ ‏"‏أللهم عافني في جسدي‏"‏ أي في بدني ‏"‏وعافني في بصري‏"‏ أي في عيني والمعنى احفظهما عن جميع الأسقام والأمراض ‏"‏واجعله الوارث مني‏"‏ قال الجزري في النهاية‏:‏ أي إبق البصر صحيحاً سليماً إلى أن أموت، وقيل أراد بقاءه وقوته عند الكبر وانحلال القوى النفسانية فيكون البصر وارث سائر القوى والباقي بعدها انتهى ‏"‏لا إله إلا الله الحليم‏"‏ أي الذي لا يعجل بالعقوبة فلا يعاجل بنقمته على من قصر في طاعته ‏"‏الكريم‏"‏ هو الجواد المعطي الذي لا ينفد عطاؤه وهو الكريم المطلق‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه الحاكم‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏سمعت محمداً يقول حبيب بن أبي ثابت لم يسمع من عروة بن الزبير شيئاً‏)‏ قال الحافظ في تهذيب التهذيب بعد نقل كلام الترمذي هذا‏:‏ وقال ابن أبي حاتم في كتاب المراسيل عن أبيه أهل الحديث اتفقوا على ذلك يعني على عدم سماعه منه قال واتفاقهم على شيء يكون حجة انتهى‏.‏

1967- باب

3616- حدثنا أَبُو كُرَيْبٍ، حدثنا أَبُو أُسَامَةَ عَنِ الأعْمَشِ عَن أَبي صَالِحٍ عَن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ‏:‏ ‏"‏جاءَتْ فاطِمَةُ إِلى النبيّ صلى الله عليه وسلم تَسْألُهُ خَادِماً فقالَ لهَا‏:‏ قُولِي‏:‏ اللّهُمّ رَبّ السّمَاوَاتِ السّبْعِ وَرَبّ العَرْشِ العَظِيمِ، رَبّنَا وَرَبّ كُلّ شَيْءٍ‏:‏ مُنْزِلَ التّوْرَاةِ وَالإنْجِيلِ وَالقُرْآنِ فالِقَ الحَبّ وَالنّوَى‏.‏ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّ كُلّ شَيْءٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ، أَنْتَ الأوّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وأَنْتَ الاَخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الظّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، وأَنْتَ الباطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيءٌ، اقْضِ عَنّي الدّيْنَ وَاغْنِني مِنَ الفَقْرِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَريبٌ‏.‏ وَهَكَذَا رَوَى بَعْضُ أصْحابِ الأعْمَشِ عَن الأَعْمَشِ نَحْوَ هَذَا، وروى بَعْضُهُمْ عَن الأعْمَشِ عَن أَبي صَالحٍ مُرْسَلاً ولَمْ يَذْكُرْ فيهِ عَن أبي هُرَيْرَةَ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا أبو أسامة‏)‏ إسمه حماد بن أسامة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏تسأله خادماً‏)‏ هو واحد الخدم ويقع على الذكر والأنثى لأنه جرى مجرى إسم غير مشتق ‏"‏أللهم رب السماوات السبع ورب العرش العظيم ربنا ورب كل شيء الخ‏"‏ سبق شرحه قبل باب ما جاء فيمن يقرأ من القرآن عند المنام‏.‏

1968- باب

3617- حدثنا أَبُو كُرَيْبٍ، حدثنا يَحْيَى بنُ آدَمَ عَن أَبي بَكْرٍ بنِ عَيّاشٍ عَن الأعْمَشِ عَن عَمْرِو بنِ مُرّةَ عَن عبْدِ الله بنِ الْحَارِثِ عَن زُهَيْرِ بنِ الأَقْمَرِ عَن عَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو قالَ‏:‏ ‏"‏كانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ‏:‏ اللّهُمّ إنّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ قَلْبٍ لا يَخْشَعُ، وَمِنْ دُعَاءٍ لا يُسْمَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لا تَشْبَعُ، وَمِنْ عِلْمٍ لا يَنْفَعُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَؤُلاَءِ الأرْبَعِ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ وفي البابِ عَن جَابِر وَأَبي هُرَيْرَةَ وَابنِ مَسْعُودٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ من حديث عبد الله بن عمرو‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الله بن الحارث‏)‏ الزبيدي بضم الزاي النجراني بنون وجيم الكوفي المعروف بالمكتب ثقة من الثالثة ‏(‏عن زهير بن الأقمر‏)‏ كنيته أبو كثير الزبيدي بالتصغير الكوفي مقبول من الثالثة‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏أللهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع‏"‏ أي لا يسكن ولا يطمئن بذكر الله ‏"‏ومن دعاء لا يسمع‏"‏ بصيغة المجهول أي لا يستجاب ‏"‏ومن نفس لا تشبع‏"‏ أي بما آتاها الله ولا تقنع بما رزقها ولا تفتر عن جمع المال لما فيها من شدة الحرص أو من نفس تأكل كثيراً‏.‏ قال ابن الملك أي حريصة على جمع المال وتحصيل المناصب ‏"‏ومن علم لا ينفع‏"‏ أي علم لا أعمل به ولا أعلم الناس ولا يهذب الأخلاق والأقوال والأفعال، أو علم لا يحتاج إليه أو لم يرد في تعلمه إذن شرعي‏.‏ قال الطيبي‏:‏ إعلم أن في كل من القرآئن الأربع ما يشعر بأن وجوده مبني على غايته وأن الغرض منه تلك الغاية وذلك أن تحصيل العلوم إنما هو للإنتفاع بها فإذا لم ينتفع به لم يخلص منه كفافاً بل يكون وبالاً ولذلك استعاذ، وأن القلب إنما خلق لأن يتخشع لبارئه وينشرح لذلك الصدر ويقذف النور فيه فإذا لم يكن كذلك كان قاسياً فيجب أن يستعاذ منه قال تعالى‏:‏ ‏{‏فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله‏}‏ وأن النفس يعتد بها إذا تجافت عن دار الغرور وأنابت إلى دار الخلود‏.‏ وهي إذا كانت منهومة لا تشبع حريصة على الدنيا كانت أعدى عدو المرء فأولى الشيء الذي يستعاذ منه هي أي النفس، وعدم استجابة الدعاء دليل على أن الداعي لم ينتفع بعلمه وعمله ولم يخشع قلبه ولم تشبع نفسه انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن جابر وأبي هريرة وابن مسعود‏)‏ أما حديث جابر فأخرجه ابن حبان عنه قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول‏:‏ ‏"‏أللهم إني أسألك علماً نافعاً وأعوذ بك من علم لا ينفع‏"‏، وأما حديث أبي هريرة فأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة والحاكم، وأما حديث ابن مسعود فأخرجه الحاكم في مستدركه وابن أبي شيبة في مصنفه‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وهذا حديث حسن صحيح غريب‏)‏ وأخرجه النسائي وأخرجه مسلم من حديث زيد بن أرقم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوه أتم منه‏.‏

1969- باب

3618- حدثنا أحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ، حدثنا أبُو مُعَاوِيَةَ عَن شَبِيبٍ بنِ شَيْبَةَ عَن الحَسَنِ البَصْرِيّ عَن عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ قالَ‏:‏ ‏"‏قالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم لأَبي‏:‏ يا حُصَيْنُ كَمْ تَعْبُدُ اليَوْمَ إلهاً‏؟‏ قالَ أَبِي‏:‏ سَبْعَةً سِتّةً في الأَرْضِ، وَوَاحِداً في السّمَاءِ، قالَ‏:‏ فأَيّهُمْ تَعُدّ لِرَغْبَتِكَ وَرَهْبَتِكَ‏؟‏ قالَ الّذِي في السّمَاءِ، قالَ يا حصينُ أما إنك لَوْ أَسْلَمْتَ عَلّمْتُكَ كَلِمَتَيْنِ تَنْفَعَانِكَ، قالَ‏:‏ فَلَمّا أَسْلَمَ حُصَيْنٌ قالَ يا رَسُولَ الله عَلّمْنِي الكَلِمَتَيْنِ اللّتَيْنِ وَعَدْتَنِي، فقالَ قُل اللّهُمّ أَلْهِمْنِي رُشْدِي، وَأَعِذْنِي مِنْ شَرّ نَفْسِي‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ غَريبٌ‏.‏ وَقدْ رُوِيَ هذا الْحَدِيثُ عنْ عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ منْ غيْر هذا الْوَجْهِ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن شبيب بن شيبة‏)‏ بن عبد الله التميمي المنقري أبي معمر البصري الخطيب البليغ أخباري صدوق يهم في الحديث من السابعة ‏(‏عن عمران بن حصين‏)‏ ابن عبيد الخزاعي كنيته أبو نجيد بنون وجيم مصغراً أسلم عام خيبر وصحب وكان فاضلاً وقضي بالكوفة ‏(‏لأبي‏)‏ أي لوالدي حال كفره ‏"‏يا حصين كم تعبد اليوم‏"‏ اللام للمعهود الحاضري نحو قوله تعالى‏:‏ ‏{‏اليوم أكملت لكم دينكم‏}‏ ‏"‏إلهاً‏"‏ قال ابن حجر المكي هو تمييز لكم الاستفهامية ولا يضره الفصل لأنه غير أجنبي ‏(‏قال أبي سبعة‏)‏ أي أعبد سبعة من الاَلهة ‏(‏ستة في الأرض وواحداً في السماء‏)‏ أي ستة آلهة في الأرض وإلهاً واحداً في السماء ‏"‏فأيهم تعد‏"‏ بفتح التاء وضم العين ‏"‏لرغبتك ورهبتك‏"‏ قال الطيبي الفاء جزاء شرط محذوف أي إذا كان كذلك فأيهم تخصه وتلتجئ إليه إذا نابتك نائبة ‏"‏أما‏"‏ بالتخفيف للتنبيه ‏"‏إنك‏"‏ بكسر الهمزة ‏"‏كلمتين‏"‏ أي دعوتين ‏"‏تنفعانك‏"‏ أي في الدارين ‏"‏أللهم ألهمني رشدي‏"‏ بضم فسكون وبفتحتين أي وفقني إلى الرشد وهو الإهتداء إلى الصلاح ‏"‏وأعذني من شر نفسي‏"‏ أي أجرني واحفظني من شرها فإنها منبع الفساد‏.‏ وهذا الحديث من جوامع الكلم النبوية لأن طلب إلهام الرشد يكون به السلامة من كل ضلال والاستعاذة من شر النفس يكون بها السلامة من غالب معاصي الله سبحانه فإن أكثرها من جهة النفس الأمارة بالسوء‏.‏

1970- باب

3619- حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أخبرنا أبُو عَامِرٍ العقدي، أخبرنا أبُو مُصْعَبٍ المدني عَن عَمْرِو بنِ أبِي عَمْرٍو مَوْلَى المُطّلِبِ عَن أنَسِ بنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ ‏"‏كَثِيراًمَا كُنْتُ أَسْمَعُ النّبيّ صلى الله عليه وسلم يَدْعُو بِهؤُلاَءِ الكَلِمَاتِ‏:‏ اللّهُمّ إنّي أعُوذُ بِكَ مِنَ الهَمّ والْحزنِ والعَجْزِ والكَسَلِ والبُخْلِ وضَلَعِ الدّيْنِ وَقَهْرِ الرّجَالِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ غَريبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بنِ أبي عَمْرٍو‏.‏

3620- حدثنا عَلِيّ بنُ حُجْر، حدثنا اسْمَاعِيلُ بنُ جَعْفَرٍ عَن حُمَيْدٍ عَن أنَسٍ ‏"‏أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَدْعُو يَقُولُ‏:‏ اللّهُمّ إنّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الكَسَلِ والهَرَمِ والْجُبْنِ والبُخْلِ وفِتْنَةِ المَسِيحِ وَعَذَابِ القَبْرِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا أبو عامر‏)‏ هو العقدي ‏(‏أخبرنا أبو مصعب‏)‏ إسمه عبد السلام ابن حفص ويقال ابن مصعب الليثي أو السلمي المدني وثقه ابن معين من السابعة‏.‏ قال في تهذيب التهذيب في ترجمته‏:‏ روي عن عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب وغيره وعنه أبو عامر العقدي وغيره‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏من الهم والحزن‏"‏ الحزن خشونة في النفس لحصول غم، والهم حزن يذيب الإنسان فهو أخص من الحزن، وقيل هو بالاَتي والحزن بالماضي وقيل هما بمعنى ‏"‏والعجز‏"‏ بفتح العين وسكون الجيم ‏"‏والكسل‏"‏ بفتح الكاف والسين‏.‏ قال النووي‏:‏ العجز هو عدم القدرة على الخير وقيل هو ترك ما يجب فعله والتسويف به‏.‏ أما الكسل فهو عدم انبعاث النفس للخير وقلة الرغبة مع إمكانه انتهى‏.‏ ‏"‏والبخل‏"‏ بضم الباء وسكون الخاء وبفتحهما وهو ضد السخاوة ‏"‏وضلع الدين‏"‏ أصل الضلع هو بفتح المعجمة واللام الاعوجاج يقال ضلع بفتح اللام يضلع والمراد به هنا ثقل الدين وشدته وذلك حيث لا يجد من عليه الدين وفاء ولا سيما مع المطالبة، وقال بعض السلف‏:‏ ما دخل هم الدين قلباً إلا أذهب من العقل ما لا يعود إليه ‏"‏وقهر الرجال‏"‏ وفي بعض النسخ‏:‏ غلبة الرجال أي شدة تسلطهم كاستيلاء الرعاع هرجاً ومرجاً‏.‏ قال الكرماني‏:‏ هذا الدعاء من جوامع الكلم لأن أنواع الرذائل ثلاثة‏:‏ نفسانية وبدنية وخارجية، فالأولى بحسب القوى التي للإنسان وهي ثلاثة‏:‏ العقلية والغضبية والشهوانية، فالهم والحزن يتعلق بالعقلية والجبن بالغضبية والبخل بالشهوانية والعجز والكسل بالبدنية، والثاني يكون عند سلامة الأعضاء وتمام الاَلات والقوى والأول عند نقصان عضو ونحوه، والضلع والغلبة بالخارجية، فالأول مائي والثاني جاهي والدعاء مشتمل على جميع ذلك‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي‏.‏

- قوله‏:‏ ‏"‏والهرم‏"‏ بفتحتين أي من كبر سن يؤدي إلى تساقط بعض القوى وضعفها ‏"‏والجبن‏"‏ بضم الجيم وسكون الموحدة أي عدم الإقدام على مخالفة النفس والشيطان ‏"‏وفتنة المسيح‏"‏ أي الدجال يعني من ابتلائه وامتحانه، ويأتي وجه تلقيب الدجال بالمسيح بعد خمسة أبواب‏.‏

1971- باب مَا جَاءَ في عَقْدِ التّسْبِيحِ باليَد

3621- حدثنا مُحمّدُ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى بصري، أخبرنا غَنّامُ بنُ عَلِيّ عَن الأَعْمَشِ عَن عَطَاءِ بنِ السّائِبِ عَن أبيهِ عَن عَبْدِ الله بنِ عَمْرو قالَ‏:‏ ‏"‏رَأَيْتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم يَعْقِدُ التّسْبِيحَ بِيَدِهِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ الأعْمَشِ عَن عَطَاءِ بنِ السّائِبِ وَرَوَى شُعْبَةُ والثّوْرِيّ هَذَا الحَدِيثَ عَن عَطَاءِ بنِ السّائِبِ بِطُولِهِ وفي البابِ عَن يُسَيْرَةَ بِنْتِ يَاسِرٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ يا معشر النساء إعْقِدْنَ بالانامل فإِنهن مسؤولات مستنطقات‏.‏

3622- حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ حدثنا سَهْلُ بنُ يُوسُفَ حدثنا حُمَيْدٌ عَن ثَابِتٍ البُنَانِيّ عَن أنَسِ بنِ مَالِكٍ وأخبرنا محمد بن النسبي أخبرنا خالد بن الحارث بن حسيد عن ثابت عن أنس بن مالك ‏"‏أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم عَادَ رَجُلاً قَدْ جهِدَ حتى صَارَ مِثْلَ الفَرْخ، فَقَالَ لَهُ‏:‏ أَمَا كنت تدعو‏؟‏ أما كنت تسأل ربك العافية، قال‏:‏ كنت أقول‏:‏ اللهم ما كُنْتَ مُعَاقِبِي بِهِ فِي الاَخِرَةَ فَعجّلَهُ لِي في الدّنْيَا فَقَالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم سُبْحَانَ الله إنّكَ لاَ تُطِيقُهُ أو لا تَسْتَطِيعُهُ أفَلاَ كُنْتَ تَقُولُ اللّهُمّ آتِنَا في الدّنْيَا حَسَنَةً وفي الاَخِرَةِ حَسَنَةً وقِنَا عَذَابَ النّارِ‏؟‏‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غريبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ‏.‏ وقد روي من غير وجه عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عثام‏)‏ بفتح العين المهملة وتشديد المثلثة ‏(‏بن علي‏)‏ بن هجير بجيم مصغراً العامري الكلابي أبو علي الكوفي صدوق من كبار التاسعة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏يعقد التسبيح بيده‏)‏ وفي رواية أبي داود قال ابن قدامة بيمينه، وابو قدامة هذا هو شيخ أبي داود واسمه محمد‏.‏ وفي الحديث مشروعية عقد التسبيح بالأنامل وعلل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث يسيرة الذي أشار إليه الترمذي بأن الأنامل مسؤولات مستنطقات يعني أنهن يشهدن بذلك، فكان عقدهن بالتسبيح من هذه الحيثية أولى من السبحة والحصى، ويدل على جواز عد التسبيح بالنوى والحصى حديث سعد بن أبي وقاص أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة وبين يديها نوى أو حصى تسبح به الحديث، وحديث صفية قالت دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين يدي أربعة آلاف نواة أسبح بها الحديث‏.‏ أخرجهما الترمذي فيما بعد‏.‏

قال الشوكاني في النيل ص 112 ج 2 هذان الحديثان يدلان على جواز عد التسبيح بالنوى‏:‏ والحصى وكذا بالسبحة لعدم الفارق لتقريره صلى الله عليه وسلم للمرتين على ذلك وعدم إنكاره والإرشاد إلى ما هو أفضل لا ينافي الجواز وقد وردت بذلك آثار ففي جزء هلال الحفار من طريق معتمر بن سليمان عن أبي صفية مولى النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يوضع له نطع ويجاء بزنبيل فيه حصى فيسبح به إلى نصف النهار ثم يرفع فإذا صلى أتى به فيسبح حتى يمسح‏.‏ وأخرجه الإمام أحمد في الزهد‏.‏ وأخرج ابن سعد عن حكيم بن الديلمي أن سعد بن أبي وقاص كان يسبح بالحصى‏.‏ وقال ابن سعد في الطبقات‏:‏ أخبرنا عبد الله بن موسى أخبرنا إسماعيل عن جابر عن امرأة خدمته عن فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب أنها كانت تسبح بخيط معقود فيها‏.‏ وأخرج عبد الله بن الإمام أحمد في زوائد الزهد عن أبي هريرة أنه كان له خيط فيه ألف عقدة فلا ينام حتى يسبح‏.‏ وأخرج أحمد في الزهد عن القاسم بن عبد الرحمن قال لأبي الدرداء نوى عن العجوة في كيس فكان إذا صلى الغداة أخرجها واحدة يسبح بهن حتى ينفذهن‏.‏ وأخرج ابن سعد عن أبي هريرة أنه كان يسبح بالنوى المجموع‏.‏ وأخرج الديلمي في مسند الفردوس من طريق زينب بنت سليمان بن علي عن أم الحسن بنت جعفر عن أبيها عن جدها عن علي رضي الله عنه مرفوعاً‏:‏ ‏"‏نعم المذكر السبحة‏"‏‏.‏ وقد ساق السيوطي آثاراً في الجزء الذي سماه المنحة في السبحة وهو من جملة كتابه المجموع في الفتاوى وقال في آخره ولو ينقل عن أحد من السلف ولا من الخلف المنع من جواز عد الذكر بالسبحة بل كان أكثرهم يعدونه بها ولا يرون ذلك مكروها انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه أبو داود وسكت عنه، ونقل المنذري تحسين الترمذي وأقره وأخرجه النسائي والحاكم وصححه‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن يسيرة بنت ياسر‏)‏ أخرج حديثها الترمذي في أحاديث شتى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عاد‏)‏ من العيادة ‏(‏رجلاً‏)‏ أي مريضاً ‏(‏قد جهد‏)‏ بصيغة المجهول‏.‏ قال في القاموس‏:‏ جهد المرض فلاناً هزله ‏(‏مثل فرخ‏)‏ هو ولد الطير أي مثله في كثرة النحافة وقلة القوة ‏"‏أما كنت تدعو أما كنت تسأل ربك العافية‏"‏ بهمزة الاستفهام وما النافية في الجملتين، وفي رواية مسلم هل كنت تدعو الله بشيء أو تسأله إياه‏؟‏ ‏(‏ما كنت معاقبي به‏)‏ ما موصولة أو شرطية ‏"‏إنك لا تطيقه‏"‏ أي في الدنيا ‏"‏أو لا تستطيعه‏"‏ أو للشك من الراوي، قال النووي‏:‏ في هذا الحديث النهي عن الدعاء بتعجيل العقوبة وفيه فضل الدعاء باللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الاَخرة حسنة وقنا عذاب النار، وفيه جواز التعجب يقول سبحان الله وقد سبقت نظائره، وفيه استحباب عيادة المريض والدعاء له، وفيه كراهة تمني البلاء لئلا يتضجر منه ويسخطه وربما شكا‏.‏ وأظهر الأقول في تفسير الحسنة في الدنيا أنها العبادة والعافية وفي الاَخرة الجنة والمغفرة‏.‏ وقيل الحسنة نعم الدنيا والاَخرة ولا مناسبة لحديث أنس هذا بالباب فلعله كان قبل هذا الحديث باب بغير ترجمة فسقط‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح غريب‏)‏ وأخرجه مسلم‏.‏

1972- باب

3623- حدثنا مَحْمُودُ بن غَيْلاَنَ، أخبرنا أبُو دَاوُدَ قَالَ أنْبَأَنَا شُعْبَةُ عَن أبي إسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ أبَا الأَحْوَصِ يُحَدّثُ عَن عَبْدِ الله ‏"‏أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَدْعُو‏:‏ اللّهُمّ إِنّي أَسْألُكَ الهُدَى والتّقَى والعَفَافَ والغنِى‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا أبو داود‏)‏ الطيالسي ‏(‏عن أبي إسحاق‏)‏ السبيعي ‏(‏سمعت أبا الأحوص‏)‏ إسمه عوف بن مالك بن نضلة الجشمي‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏أللهم إني أسألك الهدى والتقى‏"‏ أي الهداية والتقوى‏.‏ قال الطيبي أطلق الهدى والتقى ليتناول كل ما ينبغي أن يهتدي إليه من أمر المعاش والمعاد ومكارم الأخلاق وكل ما يجب أن يتقي منه من الشرك والمعاصي ورذائل الأخلاق، وطلب العفاف والغنى تخصيص بعد تعميم انتهى ‏"‏العفاف والغنى‏"‏ العفاف والعفة هو التنزه عما لا يباح والكف عنه، والغنى ههنا غنى النفس والاستغناء عن الناس وعما في أيديهم‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه مسلم وابن ماجة‏.‏

1973- باب

3624- حدثنا أَبُو كُرَيْبٍ، حدثنا مُحَمّدُ بنُ فَضْيل عَن مُحّمدٍ بنِ سَعْدٍ الأَنْصَارِيّ عَن عَبْدِ الله بنِ رَبِيعَةَ الدّمَشْقِيّ، قَالَ‏:‏ حَدثني عَائِذُ الله أبُو إدْرِيسَ الخَوْلاَنِيّ عَن أَبي الدّرْداءِ قَالَ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏كَانَ مِنْ دُعَاءِ دَاوُدَ يَقُولُ‏:‏ اللّهُمّ إِنّي أَسْألُكَ حُبّكَ وَحُبّ مَنْ يُحِبّكَ والعَمَلَ الّذِي يُبَلّغُنِي حُبّكَ‏.‏ اللّهُمّ أجْعَلْ حُبّكَ أحَبّ إليّ مِنْ نَفْسِي وأَهْلِي وَمِنْ المَاءِ البَارِدِ‏.‏ قَالَ وَكَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إذَا ذَكَرَ دَاوُدَ يُحَدّثُ عَنْهُ قَالَ كَانَ أَعْبَدَ البَشَرِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن محمد بن سعد الأنصاري‏)‏ الشامي صدوق من السادسة ‏(‏عن عبد الله بن ربيعة‏)‏ بن يزيد الدمشقي وقيل ابن يزيد بن ربيعة مجهول من السادسة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يقول‏)‏ إسم كان بحذف إن أي قوله‏:‏ ‏"‏أللهم إني أسألك حبك‏"‏ من إضافة المصدر إلى الفاعل أو المفعول والأول أظهر إذ فيه تلميح إلى قوله تعالى‏:‏ ‏"‏يحبهم ويحبونه‏"‏ ‏"‏وحب من يحبك‏"‏ كما سبق إما الإضافة إلى المفعول فهو ظاهر كمحبتك للعلماء والصلحاء‏.‏ وإما الإضافة إلى الفاعل فهو مطلوب أيضاً كما ورد في الدعاء‏:‏ حببنا إلى أهلها وحبب صالحي أهلها إلينا‏.‏ وأما ما ورد في الدعاء من سؤال حب المساكين فمحتمل ‏"‏والعمل‏"‏ بالنصب عطف على المفعول الثاني ‏"‏الذي يبلغني‏"‏ بتشديد اللام أي يوصلني ويحصل لي ‏"‏حبك‏"‏ يحتمل الاحتمالين ‏"‏أللهم إجعل حبك‏"‏ أي حبي إياك ‏"‏من نفسي ومالي‏"‏ أي من حبهما حتى أوثره عليهما ‏"‏ومن الماء البارد‏"‏ أعاد من ههنا ليدل على استقلال الماء البارد في كونه محبوباً وذلك في بعض الأحيان فإنه يعدل بالروح ‏(‏قال‏)‏ أي أبو الدرداء ‏(‏إذا ذكر داود‏)‏ بالنصب على المفعولية ‏(‏يحدث عنه‏)‏ أي يحكى عنه‏.‏ قال الطيبي‏:‏ قوله يحدث يروي مرفوعاً جزاء للشرط إذا كان ماضيا والجزاء مضارعاً يسوغ فيه الوجهان انتهى، قال القاري‏:‏ ومراده أن الرفع متعين ولو قيل إن إذا يجزم كما ذكروا في قوله‏:‏ وإذا تصبك خصاصة فتجمل، فإن الشرط الجازم المتفق عليه إذا كان ماضياً والجزاء مضارعاً يسوغ فيه الوجهان فكيف إذا كان الشرط جازماً مختلفاً فيه فيتعين على كل تقدير ولا يجوز الجزم لعدم وروده رواية لكن لو ورد له وجه في الدراية ‏(‏كان‏)‏ أي داود ‏(‏أعبد البشر‏)‏ أي في زمانه كذا قيد الطيبي‏.‏ قال القاري‏:‏ وعلى تقدير الإطلاق لا محذور فيه إذ لا يلزم من الأعبدية الأعلمية فضلاً عن الأفضلية‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه الحاكم في مستدركه‏.‏

1974- باب

3625- حدثنا سُفْيَانُ بنُ وَكِيعٍ، حدثنا ابنُ أبي عَدِيّ عَن حَمّادِ بنِ سَلَمَةَ عَن أَبي جَعْفَرٍ الْخَطْمِيّ عَن مُحمّدِ بنِ كَعْبٍ القُرَظِيّ عَن عَبْدِ الله بنِ يَزِيدَ الْخَطْمِيّ الأَنْصَارِيّ عَن رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم أَنّه كانَ يَقُولُ في دُعَائِهِ ‏"‏اللّهُمّ ارْزُقْنِي حُبّكَ وَحُبّ مَنْ يَنْفَعُنِي حُبّهُ عِنْدَكَ‏.‏ اللّهُمّ مَا رَزَقْتَنِي مِمّا أُحِبّ فاجْعَلْهُ قُوّةً لِي فِيمَا تُحِبّ‏.‏ اللّهُمّ ومَا زَوَيْتَ عَنّي مِمّا أُحِبّ فاجْعَلْهُ قوة لِي فيمَا تُحِبّ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وأَبُو جَعْفَرٍ الْخَطْمِيّ اسْمُهُ عُمَيْرُ بنُ يَزِيدَ بنُ خُمَاشَةَ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي جعفر الخطمي‏)‏ بفتح المعجمة وسكون الطاء إسمه عمير بن يزيد بن عمير بن حبيب بن خماشة الأنصاري المدني نزيل البصرة صدوق من السادسة‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏أللهم ارزقني حبك‏"‏ أي لأنه لا سعادة للقلب ولا لذة ولا نعيم ولا صلاح إلا بأن يكون الله أحب إليه مما سواه ‏"‏أللهم ما رزقتني مما أحب‏"‏ أي الذي أعطيتني من الأشياء التي أحبها من صحة البدن وقوته وأمتعة الدنيا من المال والجاه والأولاد والفراغ ‏"‏فاجعله قوة لي‏"‏ أي عدة لي ‏"‏فيما تحب‏"‏ أي بأن أصرفه فيما تحبه وترضاه من الطاعة والعبادة ‏"‏أللهم وما زويت‏"‏ من الزي بمعنى القبض والجمع ومنه قوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏"‏أللهم ازو لنا الأرض وهون علينا السفر‏"‏‏.‏ أي اطوها كما في رواية أخرى‏.‏ أي وما قبضته ونحيته ‏"‏عني‏"‏ أي بأن منعتني ولم تعطني ‏"‏مما أحب‏"‏ أي مما أشتهيه من المال والجاه والأولاد وأمثال ذلك ‏"‏فاجعله فراغاً لي‏"‏ أي سبب فراغ خاطري ‏"‏فيما تحب‏"‏ أي من الذكر والفكر والطاعة والعبادة‏.‏ قال القاضي‏:‏ يعني ما صرفت عني من محابي فنحه عن قلبي واجعله سبباً لفراغي لطاعتك ولا تشغل به قلبي فيشغل عن عبادتك‏.‏ وقال الطيبي‏:‏ أي إجعل ما نحيته عني من محابي عوناً لي على شغلي بمحابك وذلك أن الفراغ خلاف الشغل فإذا ذوي عنه الدنيا ليتفرغ بمحاب ربه كان ذلك الفراغ عوناً له على الاشتغال بطاعة الله كذا في المرقاة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏إسمه عمير‏)‏ بالتصغير ‏(‏بن يزيد بن خماشة‏)‏ بضم خاء معجمة وخفة ميم وإعجام شين‏.‏

1975- باب

3626- حدثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ، أخبرنا أَبُو أحْمَدَ الزّبَيْرِيّ قَالَ‏:‏ حدثني سَعْدُ بنُ أَوْسٍ عَن بِلاَلِ بنِ يَحْيَى العَبْسِيّ عَن شُتَيْرِ بنِ شَكَلٍ عَن أبيهِ شَكَلِ بنِ حُمَيْدٍ قَالَ ‏"‏أَتَيْتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم فُقْلتُ يَا رَسُولَ الله عَلّمْنِي تَعَوّذاً أَتَعَوّذُ بِهِ، قَالَ فَأَخَذَ بِكَتفي فَقَالَ‏:‏ قُل اللّهُمّ إِنّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّ سَمْعِي وَمِنْ شَرّ بَصَرِي وَمِنْ شَرّ لِسَانِي ومِنْ شَرّ قَلْبِي ومِنْ شَرّ مَنِيّي يَعْنِي فَرْجَهُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُه إلاّ مِنْ هَذَا الوَجْهِ من حديث سَعْدِ بنِ أَوسٍ عَن بِلاَلِ بنِ يَحْيَى‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا سعد بن أوس‏)‏ العبسي أبو محمد الكاتب الكوفي ثقة لم يصب الأزدي في تضعيفه من السابعة ‏(‏عن شتير‏)‏ بضم الشين المعجمة وفتح الفوقية مصغراً ‏(‏بن شكل‏)‏ بشين معجمة وكاف مفتوحتين وباللام العبسي بموحدة الكوفي ثقة من الثالثة ‏(‏من أبيه شكل بن حميد‏)‏ العبسي الكوفي صحابي له هذا الحديث‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏علمني تعوذا‏)‏ أي ما يتعوذ به‏.‏ قال الطيبي‏:‏ العوذ والمعاذ والتعويذ بمعنى ‏(‏أتعوذ به‏)‏ أي لخاصة نفسي ‏(‏قال فأخذ بكفي‏)‏ كان أخذه صلى الله عليه وسلم كفه لمزيد الاعتناء والإهتمام بالتعليم وقد تقدم بيانه في باب المصافحة ‏"‏أللهم إني أعوذ بك من شر سمعي‏"‏ أي حتى لا أسمع به ما تكرهه ‏"‏ومن شر بصري‏"‏ أي حتى لا أرى شيئاً لا ترضاه ‏"‏ومن شر لساني‏"‏ أي حتى لا أتكلم بما لا يعنيني ‏"‏ومن شر قلبي‏"‏ أي حتى لا أعتقد اعتقاداً فاسداً ولا يكون فيه نحو أحد حقد وحسد وتصميم فعل مذموم أبداً ‏"‏ومن شر منيي‏"‏ وهو أن يغلب عليه حتى يقع في الزنا أو مقدماته ‏(‏يعني فرجه‏)‏ هذا تفسير من بعض الرواة لقوله منيى أي يريد شر فرجه‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه أبو داود والنسائي ونقل المنذري تحسين الترمذي وأقره‏.‏

1976- باب

3627- حدثنا الأَنْصَارِيّ، أخبرنا مَعْنٌ، أخبرنا مَالِكٌ عَن أبي الزّبَيْرِ المَكّيّ عَن طَاوُسٍ اليَمانِيّ عَن عَبْدِ الله بنِ عَبّاسٍ ‏"‏أنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يُعَلّمُهُم هَذَا الدّعَاءَ كما يُعَلّمُهُمْ السّورَةَ مِنَ القُرْآنِ‏:‏ اللّهُمّ إنّي أعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنّمَ ومنْ عَذَابِ القَبْرِ وَأعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدّجّالِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المَحْيَا والمَمَاتِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏

3628- حدثنا هَارُونُ بنُ اسْحَاقَ الهَمْدَانيّ، أخبرنا عَبْدَةُ بنُ سُلَيْمَانَ عَنِ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ عَن أبيهِ عَن عَائِشَةَ قَالتْ ‏"‏كانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَدْعُو بهَؤُلاءِ الكَلِمَاتِ اللّهُمّ إنّي أعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ النّارِ وعَذَابِ النّارِ وعَذَابِ القَبْرِ وفِتْنَةِ القَبْرِ وَمِنْ شَرّ فِتْنَةِ الغِنَى ومِنْ شَرّ فِتْنَةِ الفَقْرِ ومِنْ شَرّ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدّجّالِ‏.‏ اللّهُمّ اغْسِلْ خَطَايَايَ بِمَاءِ الثّلْجِ والبَرَدِ وأنْقِ قَلْبِي من الْخَطَايَا كَمَا أَنْقَيْتَ الثّوْبَ الأَبْيَضَ مِنَ الدّنَسِ وَبَاعِدَ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدَتَ بَيْنَ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ اللْهمّ إنّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الكَسَلِ والهَرَمِ والمأْثَمِ والمَغْرَمِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏

3629- حدثنا هارُونَ بن إسحاق أَخبرنا عَبْدَةُ عَن هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ عَن عَبّادِ بنِ عَبْدِ الله بنِ الزّبَيْرِ عَن عَائِشَةَ قَالَتْ ‏"‏سَمِعْتُ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ عِنْدَ وَفَاتِهِ‏:‏ اللّهُمّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وألْحِقْنِي بالرّفِيقِ الأعْلَى‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم‏)‏ أي أصحابه أو أهل بيته ‏(‏هذه الدعاء‏)‏ أي الذي يأتي‏.‏ قال النووي‏:‏ ذهب طاؤس إلى وجوبه وأمر ابنه بإعادة الصلاة حين لم يدع بهذا الدعاء فيها، والجمهور على أنه مستحب ‏"‏أللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم‏"‏ فيه إشارة إلى أنه لا مخلص من عذابها إلا بالالتجاء إلى بارئها ‏"‏ومن عذاب القبر‏"‏ فيه استعاذة للأمة أو تعليم لهم لأن الأنبياء لا يعذبون ‏"‏وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال‏"‏ أي على تقدير لقبه قال أهل اللغة‏:‏ الفتنة الامتحان والاختبار، وقال عياض واستعمالها في العرف لكشف ما يكره، والمسيح يطلق على الدجال وعلى عيسى بن مريم عليه السلام لكن إذا أريد الدجال قيدوبه‏.‏ واختلف في تلقيب الدجال بذلك تقيل لأنه ممسوع العين، وقيل لأنه أحد شقي وجهه خلق ممسوحاً لا عين فيه ولا حاجب، وقيل لأنه يمسح الأرض إذا خرج‏.‏ وأما عيسى فقيل سمي بذلك لأنه خرج من بطن أمه ممسوحاً بالدهن، وقيل لإن زكريا مسحه، وقيل لأنه كان لا يمسح ذا عاهة إلا بريء، وقيل لأنه كان يمسح الأرض بسياحته، وقيل لأن رجله كانت لا إخمص لها، وقيل لليسه المسوح ‏"‏وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات‏"‏ هذا تعميم بعد تخصيص، قال ابن دقيق العيد‏:‏ فتنة المحيا ما يعرض للإنسان مدة حياته من الافتنان بالدنيا والشهوات والجهالات وأعظمها والعياذ بالله أمر الخاتمة عند الموت، وفتنة الممات يجوز أن يراد بها الفتنة عند الموت أضيفت إليه لقربها منه ويكون المراد بفتنة المحيا على هذا ما قيل ذلك ويجوز أن يراد بها فتنة القبر، وقد صح في حديث أسماء‏:‏ أنكم تفتنون في قبوركم مثل أو قريباً من فتنة الدجال ولا يكون مع هذا فالوجه متكرراً مع قوله عذاب القبر لأن العذاب مرتب عن الفتنة والسبب غير المسيب انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث صحيح غريب‏)‏ وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي‏.‏

- قوله‏:‏ ‏"‏أللهم إني أعوذ بك من فتنة النار‏"‏ أي فتنة تؤدي إلى النار لئلا يتكرر، ويحتمل أن يراد بفتنة النار سؤال الخزنة على سبيل التوبيخ وإليه الإشارة بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏كلما ألقى فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير‏}‏ ‏"‏وعذاب النار‏"‏ أي من أن أكون من أهل النار وهم الكفار فإنهم هم المعذبون وأما الموحدون فإنه مؤدبون ومهذبون بالنار لا معذبون بها ‏"‏وعذاب القبر‏"‏ وهو ضرب من لم يوفق للجواب بمقامع من الحديد وغيره من العذاب‏.‏ والمراد بالقبر البرزخ والتعبير به للغالب أو كل ما استقر أجزاؤه فيه فهو قبره ‏"‏وفتنة القبر‏"‏ أي التحير في جواب الملكين ‏"‏ومن شر فتنة الغني‏"‏ وهي البطر والطغيان وتحصيل المال من الحرام وصرفه في العصيان والتفاخر بالمال والجاه ‏"‏ومن شر فتنة الفقر‏"‏ وهي الحسد على الأغنياء والطمع في أموالهم والتذلل بما يدنس العرض ويثلم الدين وعدم الرضا بما قسم الله له وغير ذلك مما لا تحمد عاقبته‏.‏ قال الغزالي‏:‏ فتنة الغني الحرص على جمع المال والحب على أن يكسبه من غير حله ويمنعه من واجبات إنفاقه وحقوقه، وفتنة الفقر يراد به الفقر الذي لا يصحبه صبر ولا ورع حتى بتورط صاحبه بسببه فيما لا يليق بأهل الدين والمروءة ولا يبالي بسبب فاقته على أي حرام وثب ‏"‏أللهم اغسل خطاياي‏"‏ أي أزلها عني ‏"‏والبرد‏"‏ بفتحتين وهو حب الغمام جمع بينهما مبالغة لأن ما غسل بالثلاثة أنقى مما غسل بالماء وحده فسأل بأن يطهره التطهير الأعلى الموجب لجنة المأوى والمراد طهرني بأنواع مغفرتك ‏"‏وانق‏"‏ من الإنقاء وفي رواية مسلم‏:‏ نق من التنقية ‏"‏من الدنس‏"‏ أي الوسخ ‏"‏وباعد‏"‏ أي أبعد وعبر بالمفاعلة مبالغة، والمراد بالمباعدة محرماً ما حصل منها والعصمة عما سيأتي منها وهو مجاز لأن حقيقة المباعدة إنما هي في الزمان والمكان وموقع التشبيه أن النقاء المشرق والمغرب مستحيل فكأنه أراد أن لا يبقى لها منه اقتراب بالكلية ‏"‏والمأثم‏"‏ أي مما يأثم به الإنسان أو مما فيه إثم أو مما يوجب الإثم أو الإثم نفسه ‏"‏والمغروم‏"‏ هو مصدر وضع موضع الإسم يريد به مغرم الذنوب والمعاصي وقيل المغرم كالغرم وهو الدين ويريد به ما استدين فيما يكرهه الله أو فيما يجوز ثم عجز عن أدائه، فأما دين احتاج إليه وهو قادر على أدائه فلا يستعاذ منه‏.‏ قاله الجزري في النهاية، قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان والنسائي وابن ماجة‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا هارون‏)‏ هو ابن إسحاق الهمداني ‏(‏أخبرنا عبده‏)‏ هو ابن سليمان الكلابي قوله‏:‏ ‏"‏وألحقني بالرفيق الأعلى‏"‏ المراد بالرفيق الأعلى هنا جماعة الأنبياء الذين يسكنون أعلى عليين وهو إسم جاء على فعيل ومعناه الجماعة كالصديق والخليط يقع على الواحد والجمع‏.‏ والمراد هنا الجمع كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وحسن أولئك رفيقاً‏}‏ كذا قال الجزري وغيره وعند البخاري من طريق سعد عن عروة عن عائشة قالت كنت أسمع أنه لا يموت نبي حتى يخير بين الدنيا والاَخرة فسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه الذي مات فيه وأخذته بحة يقول‏:‏ ‏{‏مع الذين أنعم الله عليهم‏}‏ الاَية‏.‏ فظننت أنه خير‏.‏ قال الحافظ وفي رواية المطلب عن عائشة عند أحمد فقال‏:‏ مع الرفقيق الأعلى‏:‏ ‏{‏مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء‏}‏ إلى قوله ‏{‏رفيقاً‏}‏‏.‏ قال‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏

1977- باب

3630- حدثنا الأَنْصَارِيّ، حدثنا مَعْنٌ، حدثنا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ عَن مُحمّدِ بنِ إِبْرَاهيمَ التّيْمِيّ أَنّ عَائِشَةَ قالَتْ‏:‏ ‏"‏كُنْتُ نَائِمَةً إلى جَنْبِ رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم فَفَقَدْتُهُ مِنَ اللّيْلِ فَلَمَسْتُهُ فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى قَدَمَيْهِ وَهُوَ سَاجِدٌ وهُوَ يَقولُ‏:‏ أعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، لا أُحْصِى ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجهٍ عَن عَائِشَةَ‏.‏

3631- حدثنا قُتَيْبَةُ أخبرنا اللّيْثُ عَن يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ بِهَذَا الإسْنَادِ نَحْوَه وزَادَ فِيهِ‏:‏ ‏"‏وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ‏"‏‏.‏

- قوله‏:‏ ‏"‏أللهم إني أعوذ بك برضاك من سخطك الخ‏"‏ يأتي شرحه في أحاديث شتى في باب دعاء الوتر‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه مسلم‏.‏

1978- باب

3632- حدثنا الأَنْصَارِيّ، حدثنا مَعْنٌ، حدثنا مَالِكٌ عَن أَبي الزّنَادِ عَن الأعْرَجِ عَن أَبي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏لاَ يَقُولُ أَحَدُكُمْ اللّهُمّ اغْفِرْ لِي إنْ شِئْتَ، اللّهُمّ ارْحَمْنِي إنْ شِئْتَ‏.‏ لِيَعْزِم المَسْأَلَةَ فإِنّه لاَ مُكْرِهَ لَهُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏"‏ليعزم المسألة‏"‏ المراد بالمسألة الدعاء قال العلماء‏:‏ عزم المسألة الشدة في طلبها والحزم به من غير ضعف في الطلب ولا تعليق على مشيئة ونحوها‏:‏ وقيل هو حسن الظن بالله تعالى في الإجابة‏.‏ ومعنى الحديث استحباب الجزم في الطلب وكراهة التعليق على المشيئة‏.‏ قال العلماء سبب كراهته أنه لا يتحقق استعمال المشيئة إلا في حق من يتوجه عليه الإكراه والله تعالى منزه عن ذلك وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث فإنه لا مستكره له‏.‏ وقيل سبب الكراهة أن في هذا اللفظ صورة الاستغناء عن المطلوب والمطلوب منه قال النووي ‏"‏فإنه لا مكره له‏"‏ بضم الميم وسكون الكاف وكسر الراء من الإكراه‏.‏ وفي رواية للشيخين لا مستكره له وهما بمعنى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان وأبو داود‏.‏

1979- باب

3633- حدثنا الأنْصَارِيّ، حدثنا مَعْنٌ، أخبرنا مَالِكٌ عَن ابنِ شِهَابٍ عَن أَبي عَبْدِ الله الأغَرّ وَعَن أَبي سَلَمةَ بنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏يَنْزِلُ رَبّنَا كُلّ لَيْلَةٍ إِلى السّمَاءِ الدّنْيَا حَتّى يَبْقَى ثُلثُ اللّيْلِ الاَخِرُ فَيَقُولُ مَنْ يَدْعُونِي فأسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْألُنِي فأُعْطِيَهُ، وَمَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فأَغْفِرَ لَهُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏ وأَبُو عَبْدِ الله الأغَرّ اسْمُهُ سَلْمَان‏.‏ قال‏:‏ وفي البابِ عَن عَلِيّ وَعَبْدِ الله بنِ مَسْعُودٍ وَأَبي سَعيدٍ وَجُبَيْرِ بنِ مُطْعَمٍ ورِفَاعَةَ الْجُهَنِيّ وأَبي الدّرْدَاءِ وعُثْمَانَ بنِ أبي العَاصِ‏.‏

3634- حدثنا مُحمّدُ بنُ يَحْيى الثّقَفِيّ المِرْوَزِيّ، حدثنا حفْصُ بنُ غِياثٍ عَن ابنِ جُرَيْجٍ عَن عَبْدِ الرّحْمَنِ بنِ سَابِطٍ عَن أبي أُمَامَةَ قَالَ‏:‏ ‏"‏قِيلَ لرَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أَيّ الدّعَاءِ أسْمَعُ‏؟‏ قالَ‏:‏ جَوْف اللّيْلِ الاَخِرُ، وَدُبُرَ الصّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ‏.‏ وَقَدْ رُوِيَ عَن أَبي ذَرّ وابنِ عُمَرَ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قالَ‏:‏ ‏"‏جَوْفُ اللّيْلِ الاَخِرُ الدّعَاءُ فِيهِ أَفْضَلُ أو أَرْجَى‏"‏ أوَ نَحْوَ هَذَا‏.‏

- قوله‏:‏ ‏"‏قال ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا الخ‏"‏ قد تقدم هذا الحديث في باب نزول الرب تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا من أبواب الصلاة وتقدم هناك شرحه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن يحيى‏)‏ بن أيوب بن إبراهيم الثقفي أبو يحيى المروزي القصري المعلم ثقة حافظ من العاشرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أي الدعاء أسمع‏)‏ أي أوفق إلى السماء أو أقرب إلى الإجابة ‏"‏جوف الليل‏"‏ روى بالرفع وهو الأكثر على أنه خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ خبره محذوف على حذف مضاف وإقامة المضاف إليه مقامه مرفوعاً أي دعاء جوف الليل أسمع، وروى بنصب جوف على الظرفية أي في جوفه ‏"‏الاَخر‏"‏ صفة جوف فيتبعه في الإعراب، قيل والجوف الاَخر هو وسط النصف الاَخر من الليل بسكون السين لا بالتحريك ‏"‏ودبر الصلوات المكتوبات‏"‏ عطف على جوف تابع له في الإعراب‏.‏

1980- باب

3635- حدثنا عبْدُ الله بنُ عبد الله عَبْدِ الرّحْمَنِ أخبرنا حَيْوَةُ بنُ شُرَيْحٍ وهو ابن يزيد الْحِمْصِيّ عَن بَقِيّةَ بنِ الْوَلِيدِ عَن مُسْلِمِ بنِ زِيَادٍ قال‏:‏ ‏"‏سَمِعْتُ أَنَساً يَقُولُ إِنّ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ اللّهُمُ أَصْبَحْنَا نُشْهِدُكَ ونُشْهِدُ حَمَلَةَ عَرْشِكَ وَمَلاَئِكَتَكَ وَجمِيعَ خَلْقِكَ بِأَنّكَ الله لا إلَهَ إلاّ أَنْتَ وَحْدَكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ، وَأَنّ مُحمّداً عَبْدُكَ ورَسُولُكَ إلاّ غَفَرَ الله لَهُ مَا أَصَابَ في يَوْمِهِ ذَلِكَ، وإنْ قَالَهَا حِينَ يُمْسِي غَفَرَ الله لَهُ ما أَصَابَ في تِلْكَ اللّيْلَةِ مِنْ ذَنْبٍ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا حيوة بن شريح‏)‏ بن يزيد الحضرمي أبو العباس الحمصي ثقة من العاشرة‏.‏ قال في تهذيب التهذيب في ترجمته‏:‏ روى عن أبيه وبقية وغيرهما وروى عنه إسحاق بن منصور الكوسج وعبد الله الدارمي وغيرهما ‏(‏عن مسلم بن زياد‏)‏ الحمصي مقبول من الرابعة‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏نشهدك‏"‏ من الإشهاد أن نجعلك شاهداً على إقرارنا بوحدانيتك في الألوهية والربوبية وهو إقرار للشهادة وتأكيد لها وتجديد لها في كل صباح ومساء وعرض من أنفسهم أنهم ليسوا عنها غافلين ‏"‏وملائكتك‏"‏ بالنصب عطف على ما قبله تعميماً بعد تخصيص ‏"‏وجميع خلقك‏"‏ أي مخلوقاتك تعميم آخر ‏"‏إلا غفر الله له ما أصاب في يومه ذلك‏"‏ أي من ذنب قال القاري استثناء مفرغ مما هو جواب للشرط المذكور أي الذي قال فيه ذلك الذكر تقديره‏:‏ ما قال قائل هذا الدعاء إلا غفر الله له‏.‏ أو يقدر نفي أي من قال ذلك لم يحصل له شيء من الأحوال إلا هذه الحالة العظيمة من المغفرة الجسيمة فعلى هذا من في من قال بمعنى ما النافية ويمكن أن تكون إلا زائدة انتهى‏.‏ قلت كون إلا ههنا زائدة هو الظاهر وقد صرح صاحب القاموس بأنها قد تكون زائدة ‏"‏من ذنب‏"‏ أي أي ذنب كان واستثنى الكبائر وكذا ما يتعلق بحقوق العباد والإطلاق للترغيب مع أن الله يغفر ما دون الشرك لمن يشاء‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ وأخرجه أبو داود والنسائي في عمل اليوم والليلة‏.‏

1981- باب

3636- حدثنا عَلِيّ بنَ حُجْرٍ، أخبرنا عَبْدُ الْحَمِيدِ بنِ عُمرَ الْهِلاَليّ عَن سَعِيدِ بنِ إياسٍ الجُرَيْرِيّ عَن أَبي السّلِيلِ عَن أَبي هُرَيْرَةَ أَنّ رَجُلاً قالَ ‏"‏يا رَسولَ الله سَمِعْتُ دَعاءَكَ اللّيْلَةَ فكانَ الّذِي وصَلَ إليّ مِنْهُ أَنّكَ تَقُولُ‏:‏ اللّهُمّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، وَوَسِعْ لِي في دَارِي، وَبَارِكْ لِي فِيمَا رَزَقْتَنِي، قالَ فَهَلْ تَرَاهُنّ تَرَكْنَ شَيْئاً‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ غَرِيبٌ‏.‏ وَأَبُو السّلِيلِ اسْمُهُ ضُرَيْبُ بنُ نُفَيْرٍ وَيُقَالُ ابن نُقَيْرٍ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عبد الحميد بن عمر الهلالي‏)‏ قال الحافظ في تهذيب التهذيب‏:‏ عبد الحميد بن الحسن الهلالي أبو عمرو وقيل أبو أمية الكوفي سكن الري روى له الترمذي حديثاً واحداً في الدعاء في الليل إلا أنه سمى أباه فيه عمر وقال في التقريب‏:‏ صدوق يخطئ من الثامنة ‏(‏عن أبي السليل‏)‏ بفتح المهملة وكسر اللام إسمه ضريب بضم الضاد المعجمة وفتح الراء المهملة آخره موحدة مصغراً ابن نقير بنون وقاف مصغراً القيسي الجريري بضم الجيم مصغراً ثقة الثالثة‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏أللهم اغفر لي ذنبي‏"‏ أو ما لا يليق أو إن وقع ‏"‏ووسع لي في داري‏"‏ أي وسع لي في مسكني في الدنيا لأن ضيق مرافق الدار يضيق الصدر ويجلب الهم ويشغل البال ويغم الروح أو المراد القبر فإنه الدار الحقيقية، ووقع في بعض النسخ وسع لي في رأيي أي إجعل رأيي واسعاً لا ضيق فيه ‏"‏وبارك لي في رزقي‏"‏ أي إجعله مباركاً محفوفاً بالخير ووفقني للرضا بالمقسوم منه وعدم الالتفات لغيره ‏(‏قال‏)‏ أي النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏فهل تراهن‏"‏ أي هذه الكلمات المذكورة والاستفهام للإنكار ‏"‏تركن شيئاً‏"‏ أي من خير الدنيا والاَخرة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏إسمه ضريب بن نقير‏)‏ أي بالقاف ‏(‏ويقال نفير‏)‏ أي بالفاء‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ وأخرجه أحمد والطبراني من حديث رجل من الصحابة رضي الله عنهم وأخرجه النسائي وابن السني من حديث أبي موسى قال‏:‏ أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بوضوء فتوضأ فسمعته يدعو يقول ‏"‏أللهم أصلح لي الخ‏"‏ قال في الأذكار إسناده صحيح‏.‏

1982- باب

3637- حدثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ أخبرنا ابنُ المُبَارَكِ، أخبرنا يَحْيَى بنُ أَيّوبَ عَن عُبَيْدِ الله بنِ زَحر عَن خَالِدِ بنِ أَبِي عِمْرَانَ أنّ ابنَ عُمَرَ قَالَ‏:‏ ‏"‏قَلّما كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَقُومُ مِنْ مَجْلِسٍ حَتّى يَدْعُوَ بِهَؤُلاَءِ الدعواتِ لأَصْحَابِهِ‏:‏ اللّهُمّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا يَحُولُ بَيْنَنَا وبَيْنَ مَعَاصِيكَ ومِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلّغُنَا بِهِ جَنّتَكَ‏.‏ ومِنَ اليَقينِ مَا تُهَوّنُ بِهِ عَلَيْنَا مُصِيبَاتِ الدّنْيَا ومَتّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وأَبْصَارِنَا وقُوّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا واجْعَلْهُ الوَارِثَ مِنّا واجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ عَادَانَا ولاَ تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا في دِيِننَا ولاَ تَجْعَلْ الدّنْيَا أَكْبَرَ هَمّنَا ولاَ مَبْلَغَ عِلْمِنَا وَلاَ تُسَلّطَ عَلَيْنَا مَن لاَ يَرْحَمُنَا‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ غريبٌ‏.‏ وقد رَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الحَدِيثَ عَن خَالِدِ بنِ أبي عِمْرَانَ عَن نَافِعٍ عَن ابنِ عُمَرَ‏.‏

3638- حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أخبرنا أبُو عَاصِمٍ، أخبرنا سُفيان الشّحّامُ قال‏:‏ حدّثَنا مُسْلِمُ بنُ أَبي بَكْرَةَ قَالَ‏:‏ ‏"‏سَمِعَنِي أَبي وَأنَا أقُولُ‏:‏ اللّهُمّ إنّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الهَمّ والكَسَلِ وَعَذَابِ القَبْرِ‏.‏ قَالَ يَا بُنَيّ مِمّنْ سَمِعْتَ هَذَا‏؟‏ قَالَ قُلْتُ سَمِعْتُكَ تَقُولُهُنّ‏.‏ قَالَ‏.‏ الْزَمْهُنّ فَإِنّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُهُنّ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَريبٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا يحيى بن أيوب‏)‏ الغافقي ‏(‏عن خالد بن أبي عمران‏)‏ التجيبي أبي عمر قاضي أفريقية فقيه صدوق من الخامسة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏قلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد تتصل ما بقل فيقال قلما جئتك وتكون ما كافة عن عمل الرفع فلا اقتضاء للفاعل، وتستعمل قلما لمعنيين أحدهما النفي الصرف والثاني إثبات الشيء القليل ‏"‏أللهم أقسم لنا‏"‏ أي إجعل لنا ‏"‏من خشيتك‏"‏ أي من خوفك ‏"‏ما‏"‏ أي قسماً ونصيباً ‏"‏يحول‏"‏ من حال يحول حيلولة أي يحجب ويمنع ‏"‏بيننا وبين معاصيك‏"‏ لأن القلب إذا امتلأ من الخوف أحجمت الأعضاء عن المعاصي ‏"‏ومن طاعتك‏"‏ أي بإعطاء القدرة عليها والتوفيق لها ‏"‏ما تبلغنا‏"‏ بالتشديد أي توصلنا أنت ‏"‏به جنتك‏"‏ أي مع شمولنا برحمتك وليست الطاعة وحدها مبلغة ‏"‏ومن اليقين‏"‏ أي اليقين بك وبأن لا مرد لقضائك وبأنه لا يصيبنا إلا ما كتبته علينا وبأن ما قدرته لا يخلو عن حكمة ومصلحة مع ما فيه من مزيد المثوبة ‏"‏ما تهون به‏"‏ أي تسهل أنت بذلك اليقين ‏"‏مصيبات الدنيا‏"‏ فإن من علم يقيناً أن مصيبات الدنيا مثوبات الأخرى لا يغتم بما أصابه ولا يحزن بما نابه ‏"‏ومتعنا‏"‏ من التمتيع أي اجعلنا متمتعين ومنتفعين ‏"‏بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا‏"‏ أي بأن نستعملها في طاعتك‏.‏ قال ابن الملك التمتع بالسمع والبصر إبقاؤهما صحيحين إلى الموت ‏"‏ما أحييتنا‏"‏ أي مدة حياتنا‏.‏ وإنما خص السمع والبصر بالتمتيع من الحواس لأن الدلائل الموصلة إلى معرفة الله وتوحيده إنما تحصل من طريقهما‏.‏ لأن البراهين إنما تكون مأخوذة من الاَيات وذلك بطريق السمع أو من الاَيات المنصوبة في الأفاق والأنفس فذلك بطريق البصر، فسأل التمتيع بهما حذراً من الانخراط في سلك الذين ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة، ولما حصلت المعرفة بالأولين يترتب عليها العبادة فسأل القوة ليتمكن بها من عبادة ربه قاله الطيبي‏.‏ والمراد بالقوة قوة سائر الأعضاء والحواس أو جميعها فيكون تعميماً بعد تخصيص ‏"‏واجعله‏"‏ أي المذكور من الأسماع والأبصار والقوة ‏"‏الوارث‏"‏ أي الباقي ‏"‏منا‏"‏ أي بأن يبقى إلى الموت‏.‏ قال في اللمعات‏:‏ الضمير في قوله اجعله للمصدر الذي هو الجعل أي اجعل الجعل وعلى هذا الوارث مفعول أول ومنا مفعول ثان أي اجعل الوارث من نسلنا لا كلالة خارجة منا والكلالة قرابة ليست من جهة الولادة، وهذا الوجه قد ذكره بعض النحاة في قولهم إن المفعول المطلق قد يضمر ولكن لا يتبادر إلى الفهم من اللفظ ولا ينساق الذهن إليه كما لا يخفى، والثاني أن الضمير فيه للتمتع الذي هو مدلول متعناً والمعنى اجعل تمتعنا بها باقياً مأثوراً فيمن بعدنا لأن وارث المرء لا يكون إلا الذي يبقى بعده فالمفعول الثاني الوارث وهو المعنى يشبه سؤال خليل الرحمن على نبينا وعليه الصلاة والسلام ‏"‏واجعل لي لسان صدق في الاَخرين‏"‏ وقيل معنى وراثته دوامه إلى يوم الحاجة إليه يعني يوم القيامة، والأول أوجه لأن الوارث إنما يكون باقياً في الدنيا والثالث أن الضمير للأسماع والأبصار والقوى بتأويل المذكور، ومثل هذا شائع في العبارات لا كثير تكلف فيها وإنما التكلف فيما قيل إن الضمير راجع إلى أحد المذكورات، ويدل على ذلك على وجود الحكم في الباقي لأن كل شيئين تقاربا في معنييهما فإن الدلالة على أحدهما دلالة على الاَخر، والمعنى بوراثتها لزومها إلى موته لأن الوارث من يلزم إلى موته انتهى ‏(‏واجعل ثأرنا‏)‏ بالهمز بعد المثلثة المفتوحة أي إدراك ثأرنا ‏"‏على من ظلمنا‏"‏ أي مقصوراً عليه ولا تجعلنا ممن تعدى في طلب ثأره فأخذ به غير الجاني كما كان معهوداً في الجاهلية، فنرجع ظالمين بعد أن كنا مظلومين، وأصل الثأر الحقد والغضب يقال ثأرت القتيل وبالقتيل أي قتلت قاتله ‏"‏ولا تجعل مصيبتنا في ديننا‏"‏ أي لا تصبنا بما ينقص ديننا من اعتقاد السوء وأكل الحرام والفترة في العبادة وغيرها ‏"‏ولا تجعل الدنيا أكبر همنا‏"‏ أي لا تجعل طلب المال والجاه أكبر قصدنا أو حزننا بل اجعل أكبر قصدنا أو حزننا مصروفاً في عمل الاَخرة، وفيه أن قليلاً من الهم فيما لا بد منه في أمر المعاش مرخص فيه بل مستحب بل واجب ‏"‏ولا مبلغ علمنا‏"‏ أي غاية علمنا أي لا تجعلنا حيث لا نعلم ولا نتفكر إلا في أمور الدنيا‏.‏ بل اجعلنا متفكرين في أحوال الاَخرة متفحصين من العلوم التي تتعلق بالله تعالى وبالدار الاَخرة، والمبلغ الغاية التي يبلغه الماشي والمحاسب فيقف عنده ‏"‏ولا تسلط علينا من لا يرحمنا‏"‏ أي لا تجعلنا مغلوبين للكفار والظلمة أو لا تجعل الظالمين علينا حاكمين فإن الظالم لا يرحم الرعية‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه النسائي والحاكم وقال صحيح على شرط البخاري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا أبو عاصم‏)‏ النبيل ‏(‏أخبرنا عثمان الشحام‏)‏ العدوي أبو سلمة البصري يقال إسم أبيه ميمون أو عبد الله لا بأس به من السادسة ‏(‏حدثنا مسلم بن أبي بكرة‏)‏ بن الحارث الثقفي البصري صدوق من الثالثة‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏أللهم إني أعوذ بك من الهم والكسل‏"‏ تقدم معناهما ‏"‏الزمهن‏"‏ أي هذه الكلمات‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرج أحمد في مسنده بنحوه‏.‏

1983- باب

3639- حدثنا عَلِيّ بنُ خَشْرَمٍ أخبرنا الفَضْلُ بنُ مُوسَى عَن الْحُسَيْنِ بنِ وَاقِدٍ عَن أَبي إسْحَاقَ عَن الحَارِثِ عَن عَلِيّ رضي الله عنه قَالَ‏:‏ ‏"‏قَالَ لِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ألاَ أُعَلّمُكَ كلِمَاتٍ إذَا قُلتهُنّ غَفَرَ الله لَكَ وإنْ كُنْتَ مَغْفُوراً لَكَ‏؟‏ قالَ قُلْ لا إلَهَ إِلاّ الله العَلِيّ العَظِيمُ‏.‏ لا إلَهَ إلاّ الله الْحَلِيمُ الكَرِيمُ‏.‏ لا إلَهَ إلاّ الله سُبْحَانَ الله رَبّ العَرْشِ العَظِيمِ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ عَلِيّ بنُ خَشْرَمٍ وَأَخْبَرَنَا عَلِيّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ وَاقِدٍ عَن أَبِيهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ إلاّ أَنّهُ قالَ في آخِرِهَا الْحَمدُ لله رَبّ العَالِمين‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ غَرِيبٌ لا نَعْرفُهُ إلاّ مِنْ هَذَا الوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ أبي إسْحَاقَ عَن الْحَارِثِ عَن عَلِيّ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن الحارث‏)‏ هو الأعور‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏غفر الله لك‏"‏ أي الصغائر ‏"‏وإن كنت مغفوراً لك‏"‏ أي الكبائر كذا في التيسير فعلى هذا كلمة إن للشرط والواو للموصل، وقيل يحتمل أن تكون جملة مستقلة معطوفة على السابقة وجزاؤه محذوف أي إن كنت مغفوراً فيرفع الله به الدرجات وإن تكون كلمة إن مخففة من المثقلة فالجملة تأكيد للأولى ‏"‏العلى‏"‏ هو الذي ليس فوقه شيء في المرتبة والحكم فعيل بمعنى فاعل من علا يعلو ‏"‏العظيم‏"‏ هو الذي جاوز قدره وجل عن حدود العقول حتى لا تتصور الإحاطة بكنهه وحقيقته والعظم في صفات الاجسام كبر الطول والعرض والعمق، والله تعالى جل قدره من ذلك ‏"‏الحليم‏"‏ أي الذي لا يعجل بالعقوبة ‏(‏الكريم‏)‏ هو الجواد المعطي الذي لا ينفذ عطاؤه وهو الكريم المطلق‏.‏

1984- باب

3640- حدثنا مُحمّدُ بنُ يَحْيَى، أخبرنا مُحمّدُ بنُ يُوسُفَ، أخبرنا يُونُسُ بنُ أبِي إسْحَاقَ عَن إبْرَاهِيمَ بنِ مُحمّدِ بنِ سَعْدٍ عَن أبيهِ سَعْدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏دَعْوَةُ ذِي النّونِ إذْ دَعَا وَهُوَ في بَطْنِ الحُوتِ لا إلَهَ إلاّ أنْتَ سُبْحَانَكَ إنّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ فَإِنّهُ لَمْ يَدْعُ بهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ في شَيْءٍ قَطّ إلاّ اسْتَجَابَ الله لَهُ‏"‏‏.‏

قال محمد بن يحيى قَالَ مُحمّدُ بنُ يُوسُفَ بن مرّة عَن إبْرَاهِيمَ بنِ مُحمّدِ بنِ سَعْدٍ عَن سَعْدٍ ولم يذكر فيه عن أبيه‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وَقد رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ هَذَا الحَدِيثَ عَن يُونُسَ بنِ أَبي إِسْحَاقَ عَن إبْرَاهِيمَ بنِ مُحمّدِ بنِ سَعْدٍ عَن سَعْدٍ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عَن أبِيهِ‏.‏ وَرَوَى بَعْضُهُمْ وَهُوَ أَبُو أَحْمَدَ الزّبْيَرِيّ عَن يُونُسَ بن أبي إسحاق فَقَالُوا‏:‏ عَن إبْرَاهيمَ بنِ مُحمّدِ بنِ سَعْدٍ عَن أبيهِ عَن سَعْدٍ نَحْوَ رِوَايَةِ مُحمّدِ بنِ يُوسُفَ‏.‏ وكان يونس بن أبي إسحاق ربما ذكر في هذا الحديث عن أبيه وربما لم يذكره‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن يحيى‏)‏ هو الإمام الذهلي ‏(‏أخبرنا محمد بن يوسف‏)‏ الضبي الفريابي ‏(‏عن إبراهيم بن محمد بن سعد‏)‏ بن أبي وقاص المدني ثم الكوفي ثقة قال ابن حبان لم يسمع من صحابي من السادسة‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏دعوة ذي النون‏"‏ أي دعاء صاحب الحوت وهو يونس عليه الصلاة والسلام ‏"‏إذ دعا‏"‏ أي ربه وهو ظرف دعوة ‏"‏وهو في بطن الحوت‏"‏ جملة حالية ‏"‏لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين‏"‏ خبر لقوله دعوة ذي النون فإنه الضمير للشأن ‏"‏لم يدع بها‏"‏ أي بتلك الدعوة أو بهذه الكلمات ‏"‏في شيء‏"‏ أي من الحاجات والتقدير فعليك أن تدعو بهذه الدعوة فإنه لم يدع بها الخ‏.‏ وحديث سعد هذا أخرجه أيضاً النسائي والحاكم وقال صحيح الإسناد وزاد في طريق عنده فقال رجل‏:‏ يا رسول الله هل كانت ليونس خاصة أم للمؤمنين عامة‏؟‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ألا تسمع إلى قول الله عز وجل ‏{‏ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين‏}‏ كذا في الترغيب‏.‏

1985- باب

3641- حدثنا يُوسُفُ بنُ حَمّادٍ البَصْرِيّ، أخبرنا عَبْدُ الأَعْلَى عَن سَعِيدٍ عَن قَتَادَةَ عَن أَبي رَافِعٍ عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ ‏"‏إِنّ لله تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْماً مائَةً غَير وَاحِدٍ مَنْ أَحْصَاها دَخَلَ الْجَنّةَ‏"‏‏.‏

قالَ يُوسُفُ، وَأخبرنا عَبْدُ الأَعْلَى عَن هِشَامِ بنِ حَسّانَ عَن محمّدِ بنِ سِيرينَ عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِهِ‏.‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ وَقد رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَن أبي هُرَيْرَةَ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عبد الأعلى‏)‏ هو ابن عبد الأعلى ‏(‏عن سعيد‏)‏ بن أبي عروبة ‏(‏عن أبي رافع‏)‏ اسمه نفيع الصائغ المدني نزيل البصرة ثقة ثبت مشهور بكنيته من الثانية‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏إن لله تسعة وتسعين اسماً‏"‏ فيه دليل على أن أشهر أسمائه سبحانه وتعالى الله لإضافة هذه الأسماء إليه‏.‏ وقد روى أن الله هو اسمه الاعظم‏.‏ قال أبو القاسم الطبري‏:‏ وعليه ينسب كل إسم له فيقال الرؤوف والكريم من أسماء الله تعالى ولا يقال من أسماء الرؤوف أو الكريم الله‏.‏ واتفق العلماء على أن هذا الحديث ليس فيه حصر لاسمائه سبحانه وتعالى فليس معناه أنه ليس له أسماء غير هذه التسعة والتسعين وإنما مقصود الحديث أن هذه التسعة والتسعين من أحصاها دخل الجنة‏.‏ فالمراد الإخبار عن دخول الجنة بإحصائها لا الإخبار بحصر الأسماء، ولهذا جاء في الحديث الاَخر‏:‏ أسألك بكل إسم سميت به نفسك أو استأثرت به في علم الغيب عندك‏.‏ كذا في شرح مسلم للنووي‏.‏ قلت‏:‏ الحديث الاَخر الذي ذكره النووي أخرجه أحمد وصححه ابن حبان من حديث ابن مسعود ‏"‏ومائة غير واحدة‏"‏ اختلفت الروايات في لفظ واحدة ففي بعضها بالتأنيث كما هنا وفي بعضها بالتذكير قال الحافظ في الفتح‏:‏ خرج التأنيث على إرادة التسمية، وقال السهيلي‏:‏ بل أنث الإسم لأنه كلمة واحتج بقول سيبويه‏:‏ الكلمة إسم أو فعل أو حرف فسمي الإسم كلمة‏.‏ وقال ابن مالك أنث باعتبار معنى التسمية أو الصفة أو الكلمة‏.‏ وقال جماعة من العلماء‏:‏ الحكمة في قوله مائة غير واحد بعد قوله تسعة وتسعون أن يتقرر ذلك في نفس السامع جمعاً بين جهتي الإجمال والتفصيل أو دفعاً للتصحيف الخطي والسمعي ‏"‏من أحصاها‏"‏ وفي رواية لمسلم‏:‏ من حفظها‏.‏ وفي رواية للبخاري‏:‏ لا يحفظها أحد، وهذا اللفظ يفسر معنى قوله أحصاها فالإحصاء هو الحفظ، وقيل أحصاها قرأها كلمة كلمة كأنه يعدها، وقيل أحصاها علمها وتدبر معانيها واطلع على حقائقها، وقيل أطاق القيام بحقها والعمل بمقتضاها‏.‏

قال الشوكاني التفسير الأول هو الراجح المطابق للمعنى اللغوي وقد فسرته الرواية المصرحة بالحفظ، وقال النووي قال البخاري وغيره من المحققين معناه حفظها وهذا هو الأظهر لثبوته نصا في الخير‏.‏ وقال في الأذكار هو قول الأكثرين ‏"‏دخل الجنة‏"‏ ذكر الجزاء بلفظ الماضي تحقيقاً له لأنه كائن لا محالة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان والنسائي وابن ماجة والحاكم في مستدركه وابن حبان‏.‏

1986- باب

3642- حدثنا إبْرَاهيمُ بنُ يَعْقُوب الجوزجاني، أَخبرنا صَفْوَانُ بنُ صَالِح أخبرنا الوَلِيدُ بنُ مُسْلِمٍ، أخبرنا شُعَيْبُ بنُ أبي حَمْزَةَ عَن أبي الزّنَادِ عَن الأَعْرَجِ عَن أبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏إنّ لله تِسْعَةً وتِسْعِينَ اسْماً مِائَةً غيرَ وَاحِدَةٍ مَنْ أَحْصَاها دَخَلَ الجَنّةَ‏.‏ هُوَ الله الّذِي لا إلَهَ إلاّ هُوَ الرّحمنُ الرّحيمُ المَلِك القُدّوسُ السّلاَمُ المُؤْمِنُ المُهَيمِنُ العَزِيزُ الجَبّارُ المُتَكَبّر الخَالِقُ البَارِئُ المُصَوّرُ الغَفّارُ القَهّارُ الوَهّابُ الرّزّاقُ الفتّاحُ العَلِيمُ القَابِضُ البَاسِطُ الخافضُ الرّافِعُ المعزّ المذِل السّمِيعُ البَصِيرُ الحَكَمُ العَدْلُ اللّطِيفُ الخَبِيرُ الحَلِيمُ العَظِيمُ الغَفُورُ الشّكُورُ العَلِيّ الكَبِيرُ الحَفِيظُ المُقِيتُ الحَسِيبُ الجَلِيلُ الكَرِيمُ الرّقِيبُ المُجِيبُ الْوَاسِعُ الحَكِيمُ الوَدُودُ المَجِيدُ البَاعِثُ الشّهِيدُ الحَق الوَكِيلُ القَوِيّ المَتِينُ الوَلِيّ الحَمِيدُ المُحْصِي المُبْدِيءُ المُعِيدُ المُحْيِي المُمِيتُ الحَيّ القَيّومُ الوَاجِدُ المَاجِدُ الوَاحِدُ الصّمَدُ القَادِرُ المُقْتَدِرُ المُقَدّمُ المُؤَخّرُ الأوّلُ الاَخِرُ الظّاهِرُ البَاطِنُ الوَالِي المُتَعَالِي البَرّ التّوّابُ المنتقم العَفُوّ الرّؤُوف مَالِكُ المُلْكِ ذُو الجَلاَلِ وَالإكْرَامِ المُقْسِطُ الجَامِعُ الغَنِيّ المُغْنِي المَانِعُ الضّارّ النّافِعُ النّورُ الهَادِي البَدِيعُ البَاقِي الوَارِثُ الرّشِيدُ الصّبُور‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ غَرِيبٌ حَدّثَنا بِهِ غَيْرُ واحِدٍ عَنْ صَفْوَانَ بنِ صَالِحٍ وَلاَ نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ حَدِيثِ صَفْوَانَ بنِ صَالحٍ وهُوَ ثِقَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الحدِيثِ‏.‏ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الحدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم وَلا نَعْلَمُ في كَبِيرِ شَيْءٍ مِنَ الرّوَايَاتِ له إسناد صحيح ذكر إلا ذِكْرَ الأسْمَاءِ إلاّ في هَذَا الحَدِيثِ، وَقَدْ رَوَى آدَمُ بنُ أبي إيَاسٍ هَذَا الحدِيثَ بإِسْنَادٍ غَيْرِ هَذَا عَن أبي هُرَيْرَةَ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم وذَكَرَ فِيهِ الأسْمَاءَ وَلَيْسَ لَهُ إسْنَادٌ صحيحٌ‏.‏

3643- حدثنا ابنُ أَبي عُمَرَ حدثنا سُفْيَانُ بن عيينة عَن أَبي الزّنَادِ عَن الأعْرَجِ عَن أبي هُرَيْرَةَ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏إِنّ لله تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْماً مَنْ أَحْصَاها دَخَلَ الْجَنّةَ‏"‏‏.‏

قال وَلَيْسَ في هَذَا الحَديثِ ذِكْرُ الأسْمَاءِ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ صحيحٌ رَوَاهُ أَبُو اليَمَانِ عَن شُعَيْبِ بنِ أبي حَمْزَةَ عَن أَبي الزّنَادِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الأسْمَاءَ‏.‏

3644- حدثنا إبْرَاهيمُ بنُ يَعْقوب، حدّثنا يزيْدُ بنُ حُبّان أنّ حُمَيْد المَكّي مَوْلَى ابنِ عَلْقَمَةَ حَدّثَهُ أنّ عَطَاءَ بنَ أبي رَبَاح حَدّثَهُ عَن أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إِذَا مَرَرْتُم بِرِيَاضِ الْجَنّةِ فارْتَعُوا، قُلْتُ يا رَسُولَ الله وَمَا رِيَاضُ الْجَنّةِ‏؟‏ قالَ‏:‏ المَسَاجِدُ، قُلْتُ ومَا الرّتْعُ يَا رَسُولَ الله‏؟‏ قالَ‏:‏ سُبْحَانَ الله والْحَمْدُ لله وَلاَ إِلَه إِلاّ الله وَالله أَكْبَرُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حسنٌ غَرِيبٌ‏.‏

3645- حدثنا عَبْدُ الوَارِثِ بنُ عَبْدِ الصّمَدِ بنِ عَبْدِ الوَارِثِ قالَ حدثني أَبِي قالَ حدثني مُحمّدُ بنُ ثَابِتٍ هُوَ البُنَانِيّ حدثني أبِي عَن أنَسِ بنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏إذَا مَرَرْتُمْ برِيَاضِ الْجَنّةِ فارْتَعُوا، قالُوا وَمَا رِيَاضُ الْجَنّةِ‏؟‏ قالَ حِلَقُ الذّكْرِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ ثابِتٍ عَن أنَسٍ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا إبراهيم بن يعقوب‏)‏ الجوزجاني، ‏(‏أخبرنا الوليد بن مسلم‏)‏ القرشي الدمشقي‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏هو الله الذي لا إله إلا هو‏"‏ الإسم المعدود في هذه الجملة من أسمائه هو الله لا غيره من هو وإله والجملة تفيد الحصر والتحقيق لإلهيته ونفي ما عداه عنها، قال الطيبي‏:‏ الجملة مستأنفة إما بيان لكمية تلك الأعداد أرقاماً هي في قوله‏:‏ إن لله تسعة وتسعين إسماً وذكر الضمير‏.‏ نظراً إلى الخبر وإما بيان لكيفية الإحصاء في قوله‏:‏ ‏"‏من أحصاها دخل الجنة‏"‏‏.‏ فإنه كيف يحصي فالضمير راجع إلى المسمى الدال عليه قوله لله كأنه لما قيل ولله الأسماء الحسنى، سئل وما تلك الأسماء‏؟‏ فأجيب هو الله أو لما قيل من أحصاها دخل الجنة سئل كيف أحصاها فاجاب قل هو الله‏.‏ فعلى هذا الضمير ضمير الشأن مبتدأ والله مبتدأ ثان‏.‏ وقوله‏:‏ الذي لا إله إلا هو خبره والجملة خبر الأول والموصول مع الصلة صفة الله انتهى‏.‏ والله علم دال على المعبود بحق دلالة جامعة لجميع معاني الأسماء الاَتية ‏(‏الرحمن الرحيم‏)‏ هما إسمان مشتقان من الرحمة مثل ندمان ونديم وهما من أبنية المبالغة ورحمان أبلغ من رحيم، والرحمن خاص لله لا يسمى به غيره ولا يوصف، والرحيم يوصف به غير الله تعالى فيقال رجل رحيم ولا يقال رحمن ‏"‏الملك‏"‏ أي ذو الملك التام والمراد به القدرة على الإيجاد والاختراع من قولهم فلان يملك الانتفاع بكذا إذا تمكن منه فيكون من أسماء الصفات، وقيل المتصرف في الأشياء بالإيجاد والإفناء والإماتة والإحياء فيكون من أسماء الأفعال كالخالق ‏"‏القدوس‏"‏ أي الطاهر المنزه من العيوب وفعول من أبنية المبالغة ‏"‏السلام‏"‏ مصدر نعت به للمبالغة قيل سلامته مما يلحق الخلق من العيب والفناء‏.‏ والسلام في الأصل السلامة يقال سلم يسلم سلامة وسلاماً‏.‏ ومنه قيل للجنة دار السلام لأنها دار السلامة من الاَفات، وقيل معناه المسلم عباده عن المهالك ‏"‏المؤمن‏"‏ أي الذي يصدق عباده وعده فهو من الإيمان التصديق أو يؤمنهم في القيامة من عذابه فهو من الأمان والأمن ضد الخوف كذا في النهاية ‏"‏المهيمن‏"‏ الرقيب المبالغ في المراقبة والحفظ ومنه هيمن الطائر إذا نشر جناحه على فراخه صيانة لها، وقيل الشاهد أي العالم الذي لا يعرب عنه مثقال ذرة، وقيل الذي يشهد على كل نفس بما كسبت ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ومهيمنا عليه‏}‏ أي شاهداً وقيل القائم بأمور الخلق، وقيل أصله مؤيمن أبدلت الهاء من الهمزة فهو مفتعل من الأمانة بمعنى الأمين الصادق الوعد ‏"‏العزيز‏"‏ أي الغالب القوي الذي لا يغلب‏.‏ والعزة في الأصل القوة والشدة والغلبة، تقول عز يعز بالكسر إذا صار عزيزاً وعز يعز بالفتح إذا اشتد ‏"‏الجبار‏"‏ معناه الذي يقهر العباد على ما أراد من أمر ونهي، يقال جبر الخلق وأجبرهم فأجبر أكثر، وقيل هو العالي فوق خلقه، وفعال من أبنية المبالغة ومنه قولهم نخلة جبارة وهي العظيمة التي تفوت يد المتناول ‏"‏المتكبر‏"‏ أي العظيم ذو الكبرياء، وقيل المتعالي عن صفات الخلق، وقيل المتكبر على عتاة خلقه، والتاء فيه للتفرد والتخصيص لا تاء التعاطي والتكلف‏.‏

والكبرياء العظمة والملك، وقيل هي عبارة عن كمال الذات وكمال الوجود ولا يوصف بها إلا الله تعالى وهو من الكبر وهو العظمة ‏"‏الخالق‏"‏ أي الذي أوجد الأشياء جميعها بعد أن لم تكن موجودة، وأصل الخلق التقدير فهو باعتبار تقدير ما منه وجودها وباعتبار الإيجاد على وفق التقدير خالق ‏"‏البارئ‏"‏ أي الذي خلق الخلق لا عن مثال، ولهذه اللفظة من الاختصاص بخلق الحيوان ما ليس لها بغيره من المخلوقات وقلما تستعمل في غير الحيوان، فيقال‏:‏ برأ الله النسمة وخلق السماوات والأرض ‏"‏المصور‏"‏ أي الذي صور جميع الموجودات ورتبها فأعطى كل شيء منها صورة خاصة وهيئة منفردة يتميز بها على اختلافها وكثرتها ‏"‏الغفار‏"‏ قال الجزري في النهاية في أسماء الله‏:‏ الغفار الغفور وهما من أبنية المبالغة ومعناهما الساتر لذنوب عباده وعيوبهم المتجاوز عن خطاياهم وذنوبهم، وأصل الغفر التغطية يقال غفر الله لك غفراً وغفراناً ومغفرة، والمغفرة إلباس الله تعالى العفو المذنبين ‏"‏القهار‏"‏ أي الغالب جميع الخلائق يقال قهره يقهره قهراً فهو قاهر وقهار للمبالغة ‏"‏الوهاب‏"‏ الهبة العطية الخالية عن الأعواض والأغراض فإذا كثرت سمي صاحبها وهاباً ‏"‏الرزاق‏"‏ أي الذي خلق الأرزاق وأعطى الخلائق أرزاقها وأوصلها إليهم، والأرزاق نوعان ظاهرة للأبدان كالأقوات وباطنة للقلوب والنفوس كالمعارف والعلوم ‏"‏الفتاح‏"‏ أي الذي بفتح أبواب الرزق والرحمة لعباده، وقيل معناه الحاكم بينهم، يقال فتح الحاكم بين الخصمين إذا فصل بينهما، الفاتح والحاكم والفتاح من أبنية المبالغة ‏"‏العليم‏"‏ أي العالم المحيط علمه بجميع الأشياء ظاهرها وباطنها دقيقها وجليلها على أتم الإمكان وفعيل من أبنية المبالغة ‏"‏القابض‏"‏ أي الذي يمسك الرزق وغيره من الأشياء عن العباد بلطفه وحكمته ويقبض الأرواح عند الممات ‏"‏الباسط‏"‏ أي الذي يبسط الرزق لعباده ويوسعه عليهم بجوده ورحمته ويبسط الأرواح في الأجساد عند الحياة ‏"‏الخافض‏"‏ أي الذي يخفض الجبارين والفراعنة أي يضعفهم ويهينهم ويخفض كل شيء يريد خفضه، والخفض ضد الرفع ‏"‏الرافع‏"‏ أي الذي يرفع المؤمنين بالإسعاد وأولياءه بالتقريب وهو ضد الخفض ‏"‏المعز‏"‏ الذي يهب العز لمن بشاء من عباده ‏"‏المذل‏"‏ الذي يلحق الذل بمن يشاء من عباده وينفي عنه أنواع العز جميعها ‏"‏السميع‏"‏ المدرك لكل مسموع ‏"‏البصير‏"‏ المدرك لكل مبصر ‏"‏الحكم‏"‏ أي الحاكم الذي لاراد لقضائه ولا معقب لحكمه ‏"‏العدل‏"‏ أي الذي لا يميل به الهوى فيجور في الحكم وهو في الأصل مصدر سمي به فوضع موضع العادل وهو أبلغ منه لأنه جعل المسمى نفسه عدلاً ‏"‏اللطيف‏"‏ أي الذي اجتمع له الرفق في الفعل والعلم بدقائق المصالح وإيصالها إلى من قدرها له من خلقه، يقال لطف به وله بالفتح يلطف لطفاً إذا رفق به، فأما لطف بالضم يلطف فمعناه صغر ودق ‏"‏الخبير‏"‏ أي العالم ببواطن الأشياء من الخبرة وهي العلم بالخفايا الباطنة ‏"‏الحليم‏"‏ الذي لا يستخفه شيء من عصيان العباد ولا يستفزه الغضب عليهم ولكنه جعل لكل شيء مقدار فهو منته إليه ‏"‏العظيم‏"‏ أي الذي جاوز قدره وجل عن حدود العقول حتى لا تتصور الإحاطة بكنهه وحقيقته، والعظم في صفات الأجسام كبر الطول والعرض والعمق والله تعالى جل قدره عن ذلك ‏"‏الغفور‏"‏ تقدم معناه ‏"‏الشكور‏"‏ الذي يعطي الثواب الجزيل على العمل القليل أو المثنى على عباده المطيعين ‏"‏العلى‏"‏ فعيل من العلو وهو البالغ في علو الرتبة بحيث لا رتبة إلا وهي منحطة عن رتبته‏.‏ وقال بعضهم‏:‏ هو الذي علا عن الإدراك ذاته وكبر عن التصور صفاته ‏"‏الكبير‏"‏ وضده الصغير يستعملان باعتبار مقادير الأجسام باعتبار الرتب وهو المراد هنا إما باعتبار أنه أكمل الموجودات وأشرفها من حيث أنه قديم أزلي غني على الاطلاق وما سواه حادث مفتقر إليه في الإيجاد والإمداد بالاتفاق‏.‏

وإما باعتبار أنه كبير عن مشاهدة الحواس وإدراك العقول ‏"‏الحفيظ‏"‏ أي البالغ في الحفظ يحفظ الموجودات من الزوال والاختلال مدة ما شاء ‏"‏المقيت‏"‏ أي الحفيظ، وقيل المقتدر، وقيل الذي يعطي أقوات الخلائق وهو من أقاته يقيته إذا أعطاه قوته وهي لغة في قاته يقوته وأقاته أيضاً إذا حفظه ‏"‏الحسيب‏"‏ أي الكافي فعيل بمعنى مفعل من أحسبني الشيء إذا كفاني وأحسبته بالتشديد أعطيته ما يرضيه حتى يقول حسبي، وقيل إنه مأخوذ من الحسبان أي هو المحاسب للخلائق يوم القيامة فعيل بمعنى مفاعل ‏"‏الجليل‏"‏ أي الموصوف بنعوت الجلال والحاوي جميعها هو الجليل المطلق ‏"‏الكريم‏"‏ أي كثير الجود والعطاء الذي لا ينفد عطاؤه ولا تفني خزائنه وهو الكريم المطلق ‏"‏الرقيب‏"‏ أي الحافظ الذي لا يغيب عنه شيء فعيل بمعنى فاعل ‏"‏المجيب‏"‏ أي الذي يقابل الدعاء والسؤال بالقبول والعطاء وهو إسم فاعل من أجاب يجيب ‏"‏الواسع‏"‏ أي الذي وسع غناه كل فقير ورحمته كل شيء، يقال وسعة الشيء يسعه سعة فهو واسع ووسع بالضم وساعة فهو وسيع، والوسع والسعة الجدة والطاقة ‏"‏الحكيم‏"‏ أي الحاكم بمعنى القاضي فعيل بمعنى فاعل أو هو الذي يحكم الأشياء ويتقنها فهو فعيل بمعنى مفعل، وقيل الحكيم ذو الحكمة والحكمة عبارة عن معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم، ويقال لمن يحسن دقائق الصناعات ويتقنها حكيم ‏"‏الودود‏"‏ هو فعول بمعنى مفعول من الود المحبة، يقال وددت الرجل أوده وداً إذا أحببته، فالله تعالى مودود أي محبوب في قلوب أوليائه أو هو فعول بمعنى فاعل أي أنه يحب عباده الصالحين بمعنى أنه يرضى عنهم ‏"‏المجيد‏"‏ هو مبالغة الماجد من المجد وهو سعة الكرم فهو الذي لا تدرك سعة كرمه ‏"‏الباعث‏"‏ أي الذي يبعث الخلق أي يحييهم بعد الموت يوم القيامة وقيل أي باعث الرسل إلى الأمم ‏"‏الشهيد‏"‏ أي الذي لا يغيب عنه شيء، والشاهد الحاضر، وفعيل من أبنية المبالغة في فاعل، فإذا اعتبر العلم مطلقاً فهو العليم وإذا أضيف إلى الأمور الباطنة فهو الخير، وإذا أضيف إلى الأمور الظاهرة فهو الشهيد، وقد يعتبر مع هذا أن يشهد على الخلق يوم القيامة بما علم ‏"‏الحق‏"‏ أي الموجود حقيقة المتحقق وجوده وإلهيته، والحق ضد الباطل ‏"‏الوكيل‏"‏ أي القائم بأمور عباده المتكفل بمصالحهم ‏"‏القوي‏"‏ أي ذو القدرة التامة البالغة إلى الكمال الذي لا يلحقه ضعف ‏"‏المتين‏"‏ أي القوي الشديد الذي لا يلحقه في أفعاله مشقة ولا كلفة ولا تعب، والمتانة الشدة والقوة فهو من حيث أنه بالغ القدرة تامها قوي ومن حيث أنه شديد القوة متين ‏(‏الولي‏)‏ أي الناصر وقيل المتولي لأمور العالم والخلائق القائم بها وقيل المحب لأوليائه ‏(‏الحميد‏)‏ أي المحمود المستحق للثناء على كل حال، فعيل بمعنى مفعول ‏(‏المحصى‏)‏ أي الذي أحصى كل شيء بعلمه وأحاط به فلا يقوته دقيق منها ولا جليل والإحصاء العد والحفظ ‏"‏المبدئ‏"‏ أي الذي أنشأ الأشياء واخترعها ابتداء من غير سابق مثال ‏"‏المعيد‏"‏ أي الذي يعيد الخلق بعد الحياة إلى الممات في الدنيا وبعد الممات إلى الحياة يوم القيامة ‏"‏المحيي‏"‏ أي معطي الحياة ‏(‏المميت‏)‏ أي خالق الموت ومسلطه على من شاء ‏"‏الحي‏"‏ أي الدائم البقاء ‏"‏القيوم‏"‏ أي القائم بنفسه والمقيم لغيره ‏"‏الواجد‏"‏ بالجيم أي الغني الذي لا يفتقر وقد وجد يجد جدة أي استغنى غنى لا فقر بعده، وقيل الذي يجد كل ما يريده ويطلبه ولا يفوته شيء ‏"‏الماجد‏"‏ بمعنى المجيد لكن المجيد للمبالغة ‏"‏الواحد‏"‏ أي الفرد الذي لم يزل وحده لم يكن معه آخر ‏(‏الصمد‏)‏ هو السيد الذي انتهى إله السؤدد، وقيل هو الدائم الباقي، وقيل هو الذي لا جوف له، وقيل الذي يصمد في الحوائج إليه أي يقصد ‏"‏القادر المقتدر‏"‏ معناهما ذو القدرة إلا أن المقتدر أبلغ في البناء من معنى التكلف والاكتساب فإن ذلك وإن امتنع في حقه تعالى حقيقة لكنه يفيد المعنى مبالغة ‏(‏المقدم‏)‏ أي الذي يقدم الأشياء ويضعها في مواضعها فمن استحق التقديم قدمه ‏"‏المؤخر‏"‏ الذي يؤخر الأشياء فيضعها في مواضعها وهو ضد المقدم ‏"‏الأول‏"‏ أي الذي لا بداية لأوليته ‏"‏الاَخر‏"‏ أي الباقي بعد فناء خليقته ولا نهاية لاَخريته ‏"‏الظاهر‏"‏ أي الذي ظهر فوق كل شيء وعلا عليه، وقيل هو الذي عرف بطرق الاستدلال العقلي بما ظهر لهم من آثار أفعاله وأوصافه ‏"‏الباطن‏"‏ أي المحتجب عن أبصار الخلائق وأوهامهم فلا يدركه بصر ولا يحيط به وهم ‏"‏الوالي‏"‏ أي مالك الأشياء جميعها المتصرف فيها ‏"‏المتعالى‏"‏ الذي جل عن إفك المفترين وعلا شأنه، وقيل جل عن كل وصف وثناء وهو متفاعل من العلو ‏"‏البر‏"‏ أي العطوف على عباده ببره ولطفه، والبر بالكسر الإحسان ‏"‏التواب‏"‏ الذي يقبل توبة عباده مرة بعد أخرى ‏"‏المنتقم‏"‏ أي المبالغ في العقوبة لمن يشاء وهو مفتعل من نقم ينقم إذا بلغت به الكراهة حد السخط ‏"‏العفو‏"‏ فعول من العفو وهو الذي يمحو السيئات ويتجاوز عن المعاصي وهو أبلغ من الغفور لأن الغفران ينبئ عن الستر والعفو ينبئ عن المحو، وأصل العفو المحو والطمس وهو من أبنية المبالغة يقال عفا يعفو عفواً فهو عاف وعفو ‏"‏الرؤوف‏"‏ أي ذو الرأفة وهي شدة الرحمة ‏"‏مالك

الملك‏"‏ أي الذي تنفذ مشيئته في ملكه يجري الأمور فيه على ما يشاء أو الذي له التصرف المطلق ‏"‏ذو الجلال والإكرام‏"‏ أي ذو العظمة والكبرياء وذو الإكرام لأوليائه بإنعامه عليهم ‏"‏المقسط‏"‏ أي العادل يقال أقسط يقسط فهو مقسط إذا عدل، وقسط يقسط فهو قاسط إذا جار، فكأن الهمزة في أقسط للسلب كما يقال شكا إليه فأشكاه ‏"‏الجامع‏"‏ أي الذي يجمع الخلائق ليوم الحساب، وقيل هو المؤلف بين المتماثلات والمتباينات والمتضادات في الوجود ‏"‏الغني‏"‏ أي الذي لا يحتاج إلى أحد في شيء وكل أحد يحتاج إليه وهذا هو الغني المطلق ولا يشارك الله فيه غيره ‏"‏المغني‏"‏ أي الذي يغني من يشاء من عباده ‏"‏المانع‏"‏ أي الذي يمنع عن أهل طاعته ويحوطهم وينصرهم‏.‏ وقيل يمنع من يريد من خلقه ما يريد ويعطيه ما يريد ‏"‏الضار‏"‏ أي الذي يضر من يشاء من خلقه حيث هو خالق الأشياء كلها خيرها وشرها ونفعها وضرها ‏"‏النافع‏"‏ أي الذي يوصل النفع إلى من يشاء من خلقه حيث هو خالق النفع والضر والخير والشر ‏"‏النور‏"‏ أي الذي يبصر بنوره ذو العماية ويرشد بهداه ذو الغواية، وقيل هو الظاهر الذي به كل ظهور فالظاهر في نفسه المظهر لغيره يسمى نوراً ‏"‏الهادي‏"‏ أي الذي بصر عباده وعرفهم طريق معرفته حتى أقروا بربوبيته وهدى كل مخلوق إلى ما لا بد له منه في بقائه ودوام وجوده ‏"‏البديع‏"‏ أي الخالق المخترع لا عن مثال سابق فعيل بمعنى مفعل يقال أبدع فهو مبدع ‏"‏الباقي‏"‏ أي الدائم الوجود الذي لا يقبل الفناء ‏"‏الوارث‏"‏ أي الذي يرث الخلائق ويبقى بعد فنائم ‏"‏الرشيد‏"‏ أي الذي أرشد الخلق إلى مصالحهم أي هداهم ودلهم عليها فعيل بمعنى مفعل، وقبل هو الذي تنساق تدبيراته إلى غاياتها على سننن السداد من غير إشارة مشير ولا تسديد مسدد ‏"‏الصبور‏"‏ أي الذي لا يعاجل العصاة بالانتقام وهو من أبنية المبالغة ومعناه قريب من معنى الحليم والفرق بينهما أن المذنب لا يأمن العقوبة في صفة الصبور كما يأمنها في صفة الحليم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ وأخرجه ابن ماجة وابن حبان والحاكم في مستدركه والبيهقي في الدعوات الكبير‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏ولا نعرفه إلا من حديث‏)‏ صفوان بن صالح وهو ثقة عند أهل الحديث قال الحافظ‏:‏ ولم ينفرد به صفوان فقد أخرجه البيهقي من طريق موسى بن أيوب النصيبي وهو ثقة عن الوليد أيضاً وقد اختلف في سنده على الوليد، ثم ذكر الحافظ الاختلاف وبسط الكلام ههنا ‏(‏وقد روى هذا الحديث من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا نعلم في كبير شيء من الروايات ذكر الأسماء إلا في هذا الحديث‏)‏ المراد بكبير شيء من الروايات أي في كثير منها، واختلف العلماء في سرد الأسماء هل هو مرفوع أو مدرج في الخبر من بعض الرواة فمشى كثير منهم على الأول واستدلوا به على جواز تسمية الله تعالى بما لم يرد في القرآن بصيغة الإسم لأن كثيراً من هذه الأسماء كذلك‏.‏ وذهب آخرون إلى أن التعين مدرج لخلو أكثر الروايات عنه ونقله عبد العزيز اليخشبي عن كثير من العلماء‏.‏ قال الحاكم بعد تخريج الحديث من طريق صفوان بن صالح عن الوليد بن مسلم صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بسياق الأسماء الحسنى، والعلة فيه عندهما تفرد الوليد بن مسلم قال‏:‏ ولا أعلم خلافاً عند أهل الحديث أن الوليد أوثق وأحفظ وأجل وأعظم من بشر بن شعيب وعلي بن عياش وغيرهما من أصحاب شعيب، يشير إلى أن بشراً وعلياً وأبا اليمان رووه عن شعيب بدون سياق الأسماء فرواية أبي السيمان عند البخاري ورواية علي عند النسائي ورواية بشر عند البيهقي، قال الحافظ وليست العلة عند الشيخين تفرد الوليد فقط بل الاختلاف فيه والاضطراب وتدليسه واحتمال الإدراج ‏(‏وقد روى آدم بن أبي إياس هذا الحديث بإسناد غير هذا إلى قوله وليس له إسناد صحيح‏)‏ قال الحافظ في التلخيص بعد نقل كلام الترمذي هذا ما لفظه‏:‏ الطريق الذي أشار إليها الترمذي رواها الحاكم في المستدرك من طريق عبد العزيز بن الحصين عن أيوب وعن هشام بن حسان جميعاً عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة وفيها زيادة ونقصان وقال محفوظ عن أيوب وهشام بدون ذكر الأسامي، قال الحاكم وعبد العزيز ثقة قال الحافظ بل متفق على ضعفه وهاه البخاري ومسلم وابن معين وقال البيهقي‏:‏ هو ضعيف عند أهل النقل انتهى‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا زيد بن حباب‏)‏ العكلي ‏(‏أن حميد المكي مولى ابن علقمة‏)‏ في التقريب مجهول في الخلاصة قال البخاري لا يتابع‏.‏ وفي تهذيب التهذيب له في الترمذي حديث واحد‏:‏ إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏إذا مررتم برياض الجنة‏"‏ الرياض جمع الروضة وهي أرض مخضرة بأنواع النبات يقال لها بالفارسية مرغزار ‏"‏فارتعوا‏"‏ في القاموس‏.‏ رتع كمنع رتعا ورتوعاً ورتاعاً بالكسر أكل وشرب ما شاء في خصب وسعة أو هو الأكل والشرب رغداً في الريف ‏"‏قال المساجد‏"‏ وفي حديث أنس الاَتي‏:‏ حلق الذكر ولا تنافي بينهما لأن حلق الذكر تصدق بالمساجد وغيرها فهي أعم وخصت المساجد هنا لأنها أفضل وجعل المساجد رياض الجنة بناء على أن العبادة سبب للحصول في رياض الجنة ‏"‏قلت وما الرتع يا رسول الله قال سبحان الله والحمد الله الخ‏"‏ وضع الرتع موضع القول لرعاية المناسبة لفظاً ومعنى لأن هذا القول سبب لنيل الثواب الجزيل، والرتع هنا كما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يرتع‏}‏ وهو أن يتسع في أكل الفواكه والمستلذات والخروج إلى التنزه في الأرياف والمياه كما هو عادة الناس إذا خرجوا إلى الرياض ثم اتسع واستعمل في الفوز بالثواب الجزيل، وتلخيص معنى الحديث ‏"‏إذا مررتم بالمساجد فقولوا هذا القول‏"‏‏.‏ قاله الطيبي‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ في سنده حميد المكي وهو مجهول كما عرفت‏.‏

- قوله‏:‏ ‏"‏حلق الذكر‏"‏ أي هي حلق الذكر، قال في النهاية الحلق بكسر الحاء وفتح اللام جمع الحلقة مثل قصعة وقصع ومر الجماعة من الناس مستديرون كحلقة الباب وغيره، والتحلق تفعل منها وهو أن يتعمدوا ذلك‏.‏ وقال الجوهري جمع الحلقة حلق بفتح الحاء على غير قياس، وحكي عن أبي عمرو أن الواحد حلقه بالتحريك والجمع حلق بالفتح وقال ثعلب كلهم يجيزه على ضعفه‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه أحمد والبيهقي في شعب الإيمان‏.‏

1987- باب منه

3646- حدثنا إبْرَاهيمُ بنُ يَعْقُوبَ، أخبرنا عَمْرُو بنُ عَاصمٍ، أخبرنا حَمّادُ بنُ سَلمَةَ عَن ثابِتٍ عَن عُمَرَ بنِ أَبي سَلَمَةَ عَن أُمّهِ أُمّ سَلَمَةَ عَن أبِي سَلَمةَ أَنّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏إِذَا أَصَابَ أَحَدَكُمْ مُصِيبَةٌ فَلْيَقُلْ إنّا لله وَإِنّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ، اللّهُمّ عِنْدَكَ أحْتَسِبُ مُصِيبَتِي فأجُرْنِي فِيهَا وَأبْدِلْنِي مِنْهَا خَيْراً‏.‏ فَلَمّا احتضِرَ أبُو سَلَمَةَ قالَ‏:‏ اللّهُمّ اخْلُفْ في أهْلِي خَيْراً مِنّي‏.‏ فَلَمّا قُبِضَ قالَتْ أُمّ سَلَمَةَ إِنّا لله وَإنّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ، عِنْدَ الله أحْتَسِبُ مُصِيبَتِي فأْجُرْنِي فِيهَا‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حسن غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ‏.‏ وَرُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ عَن أُمّ سَلَمةَ ‏(‏عن النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏‏.‏

وَأبُو سَلمَةَ اسمُهُ عَبْدُ الله بنُ عَبْدِ الأَسَدِ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عمرو بن عاصم‏)‏ بن عبيد الله الكلابي ‏(‏عن ثابت‏)‏ البناني ‏(‏عن عمر بن أبي سلمة‏)‏ هو ربيب النبي صلى الله عليه وسلم قوله‏:‏ ‏"‏إنا لله‏"‏ أي ملكاً وخلقاً ‏"‏وإنا إليه راجعون‏"‏ أي في الاَخرة ‏"‏أللهم عندك أحتسب مصيبتي‏"‏ قال الجزري في النهاية الاحتساب من الحسب كالاعتداد من العد وإنما قيل لمن ينوي بعمله وجه الله أحتسب لأن له حينئذ أن يعتد عمله فجعل في حال مباشرة الفعل كأنه معتد به، والحسبة إسم من الاحتساب كالعدة من الاعتداد وهو لاحتساب في الأعمال الصالحة، وعند المكروهات هو البدار إلى طلب الأجر وتحصيله بالتسليم والصبر وباستعمال أنواع البر والقيام بها على الوجه المرسوم فيها طلباً للثواب الموجو منها ‏"‏فأجرني‏"‏ بسكون الهمزة وضم الجيم وبالمد وكسر الجيم قال في النهاية‏:‏ آجره يؤجره إذا أثابه وأعطاه الأجر والجزاء وكذلك أجره يأجره والأمر منهما آجرني ‏"‏وأبدلني منها‏"‏ أي من مصيبتي ‏"‏خيراً‏"‏ مفعول ثان لأبدلني ‏(‏فلما احتضر أبو سلمة‏)‏ بصيغة المجهول أي دنا موته، يقال حضر فلان واحتضر إذا دنا موته ‏(‏قال أللهم اخلف في أهلي خيراً مني‏)‏ يقال خلف الله لك خلفاً بخير وأخلف عليك خيراً أي أبدلك بما ذهب منك وعوضك عنه، وقيل إذا ذهب للرجل ما يخلفه مثل المال والولد قيل أخلف الله لك وعليك، وإذا ذهب له ما لا يخلفه غالباً كالأب والأم قيل خلف الله عليك، وقد يقال خلف الله عليك إذا مات لك ميت أي كان الله خليفة عليك وأخلف الله عليك أي أبدلك كذا في النهاية ‏(‏فلما قبض‏)‏ أي قبض روحه ومات‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه ابن ماجة ‏(‏وروى هذا الحديث من غير هذا الوجه عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي في عمل اليوم والليلة ‏(‏وأبو سلمة إسمه عبد الله بن عبد الأسد‏)‏ بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزومي أخو النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة وابن عمته برة بنت عبد المطلب كان من السابقين شهدا بدراً ومات في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، مات في جمادي الاَخرة سنة أربع بعد أحد فتزوج النبي صلى الله عليه وسلم بعده بزوجته أم سلمة‏.‏

1988- باب

3647- حدثنا يُوسُفُ بنُ عِيسَى، أخبرنا الفَضْلُ بنُ مُوسَى حدثنا سَلَمَةُ بنُ وَرْدَانَ عَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ ‏"‏أَنّ رَجُلاً جاءَ إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقالَ يَا رَسُولَ الله أيّ الدّعَاءِ أفْضَلُ‏؟‏ قالَ‏:‏ سَلْ رَبّكَ العَافِيَةَ وَالمُعَافَاةَ في الدّنْيَا وَالاَخِرَةِ، ثُمّ أَتَاهُ في اليَوْمِ الثّانِي فقَالَ يا رَسُولَ الله أيّ الدّعَاءِ أفْضَلُ‏؟‏ فقالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمّ أَتَاهُ في اليَوْمَ الثّالِثِ فقالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ قَالَ‏:‏ فإِذَا أُعْطِيتَ العَافِيَةَ في الدّنْيَا وأُعْطِيتَهَا في الاَخِرَةِ فَقَدْ أفْلَحْتَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ إِنّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ سَلَمَةَ بنِ وَرْدَانَ‏.‏

3648- حدثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ، حدثنا جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ الضّبَعِيّ عَن كَهْمَسِ بنِ الْحَسَنِ عَن عَبْدِ الله بنِ بُرَيْدَةَ عَن عَائِشَةَ قالَتْ‏:‏ ‏"‏قُلْتُ يا رَسُولَ الله أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أيّ لَيْلَةٍ لَيْلَةٍ القَدْرِ مَا أقُولُ فِيهَا‏؟‏ قالَ‏:‏ قُولِي اللّهُمّ إِنّكَ عَفُوّ كريم تُحِبُ العَفْوَ فاعْفُ عَنّي‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏

3649- حدثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ، حدثنا عُبَيْدَة بنُ حمَيْدٍ عَن يَزِيدَ بنِ أَبِي زِيَادٍ عَن عَبْدِ الله بنِ الْحَارِثِ عَن العَبّاسِ بنِ عَبْدِ المُطّلِبِ قالَ‏:‏ ‏"‏قُلْتُ يا رَسُولَ الله عَلّمْنِي شَيْئاً أسْألُه الله عز وجلّ، قالَ‏:‏ سَلِ الله العَافِيَةَ، فَمَكَثْتُ أَيّاماً ثُمّ جِئْتُ فَقُلْتُ يا رَسُولَ الله عَلّمْنِي شَيْئاً أسْأَلُه الله‏؟‏ فقالَ لِي‏:‏ يَا عَبّاسُ يَا عَمّ رَسُولِ الله سلوا الله العَافِيَةَ في الدّنْيَا وَالاَخِرَةِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ صحيحٌ‏.‏ وَعَبْدُ الله بنِ الحَارِثِ بنِ نَوْفَلٍ وقَدْ سَمِعَ مِنَ العَبّاسِ بنِ عَبْدِ المُطّلِبِ‏.‏

3650- حدثنا القاسم بن دينار الكوفي، حدثنا إسحاق بن منصور الكوفي عن إسرائيل، عن عبد الرحمَن بن أبي بكر وهو المليكي، عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ما سُئِلَ الله شيئاً أحب إليه من أن يُسأل العافية‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد الرحمَن بن أبي بكر المليكي‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يوسف بن عيسى‏)‏ بن دينار المروزي ‏(‏أخبرنا الفضل بن موسى‏)‏ السيناني المروزي ‏(‏حدثنا سلمة بن وردان‏)‏ الليثي المدني‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏سل ربك العافية والمعافاة‏"‏ قال الجزري في النهاية‏:‏ العافية أن تسلم من الأسقام والبلايا وهي الصحة وضد المرض، والمعافاة هي أن يعافيك الله من الناس ويعافيهم منك أي يغنيك عنهم ويغنيهم عنك ويصرف أذاهم عنك وأذاك عنهم، وقيل هي مفاعلة من العفو وهو أن يعفوا عن الناس ويعفوهم عنه انتهى‏.‏ وقال في القاموس‏:‏ والعافية دفاع الله عن العبد عافاه الله من المكروه معافاة وعافية وهب له العافية من العلل والبلاء كأعفاء ‏(‏فقال له مثل ذلك‏)‏ أي مثل ذلك القول فنصبه على المصدرية ‏(‏ثم أتاه يوم الثالث‏)‏ وفي رواية ابن ماجة‏:‏ ثم أتاه في اليوم الثالث ‏"‏فقد أفلحت‏"‏ أي فزت بمرادك وظفرت بمقصودك وفي الحديث التصريح بأن الدعاء بالعافية أفضل الدعاء ولا سيما بعد تكريره للسائل في ثلاثة أيام حين أن يأتيه للسؤال عن أفضل الدعاء، فأفاد هذا أن الدعاء بالعافية أفضل من غيره من الأدعية، ثم في قوله‏:‏ ‏"‏فإذا أعطيت العافية في الدنيا الخ‏"‏ دليل ظاهر واضح بأن الدعاء بالعافية يشمل أمور الدنيا والاَخرة لأنه قال هذه المقالة بعد أن قال له ‏"‏سل ربك العافية‏"‏ ثلاث مرات‏.‏ فكان ذلك كالبيان لعموم بركة هذه الدعوة بالعافية لمصالح الدنيا والاَخرة، ثم رتب على ذلك الفلاح الذي هو المقصد الاَسنى والمطلوب الأكبر‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه ابن ماجة ‏(‏إنما نعرفه من حديث سلمة بن وردان‏)‏ وهو ضعيف‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الله بن بريدة‏)‏ الأسلمي المروزي قوله‏:‏ ‏(‏أرأيت‏)‏ أي أخبرني ‏(‏إن علمت‏)‏ جوابه محذوف يدل عليه ما قبله ‏(‏أي ليلة‏)‏ مبتدأ وخبره ‏(‏ليلة القدر‏)‏ والجملة سدت مسد المفعولين لعلمت تعليقاً قيل القياس آية ليلة فذكر باعتبار الزمان كما ذكر في قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أي آية من كتاب الله معك أعظم‏"‏‏؟‏ باعتبار الكلام واللفظ ‏(‏ما أقول‏)‏ متعلق بأرأيت ‏(‏فيها‏)‏ أي في تلك الليلة، قال الطيبي‏:‏ ما أقول فيها جواب الشرط وكان حق الجواب أن يؤتي بالفاء ولعله سقط من قلم الناسخ وتعقب عليه القاري بأن دعوى السقوط من قلم الناسخ ليست بصحيحة وقد جاء حذف الفاء على القلة ‏"‏أللهم إنك عفو‏"‏ أي كثير العفو‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والنسائي وابن ماجة والحاكم‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن يزيد بن أبي زياد‏)‏ القرشي الهاشمي الكوفي ‏(‏عن عبد الله بن الحارث‏)‏ بن نوفل الهاشمي المدني‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏اسأله الله‏)‏ أي اطلبه من الله تعالى ‏"‏سل الله العافية‏"‏ في أمره صلى الله عليه وسلم للعباس بالدعاء بالعافية بعد تكرير العباس سؤاله بأن يعلمه شيئاً يسأل الله به دليل جلى بأن الدعاء بالعافية لا يساويه شيء من الأدعية ولا يقوم مقامه شيء من الكلام الذي يدعى به ذو الجلال والإكرام، وقد تقدم تحقيق معنى العافية أنها دفاع الله عن العبد، فالداعي بها قد سأل ربه دفاعه عن كل ما ينويه، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل عمه العباس منزلة أبيه ويرى له من الحق ما يرى الولد لوالده ففي تخصيصه بهذا الدعاء وقصره على مجرد الدعاء بالعافية تحريك لهمم الراغبين على ملازمته وأن يجعلوه من أعظم ما يتوسلون به إلى ربهم سبحانه وتعالى ويستدفعون به في كل ما يهمهم، ثم كلمه صلى الله عليه وسلم بقوله‏:‏ ‏"‏سل الله العافية في الدنيا والاَخرة‏"‏‏.‏ فكان هذا الدعاء من هذه الحيثية قد صار عدة لدفع كل ضر وجلب كل خير، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة جداً‏.‏ قال الجزري في عدة الحصن الحصين‏:‏ لقد تواتر عنه صلى الله عليه وسلم دعاءه بالعافية وورد عنه صلى الله عليه وسلم لفظاً ومعنى من تحو من خمسين طريقاً‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث صحيح‏)‏ وأخرجه الطبراني بأسانيد ورجال بعضها رجال الصحيح غير يزيد بن أبي زياد وهو حسن الحديث كذا في مجمع الزوائد وأخرجه أحمد أيضاً‏.‏

1989- باب

3651- حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، حدثنا إبْرَاهيمُ بنُ عُمَرَ بنِ أَبي الوَزِيرِ حدثنا زَنْفَلُ بنُ عَبْدِ الله أبُو عَبْدِ الله عَن ابنِ أَبي مُلَيْكَةَ عَن عَائشَةَ عَن أبي بَكْرٍ الصّدّيِق ‏"‏أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كانَ إِذَا أرَادَ أمْراً قالَ‏:‏ اللّهُمّ خِرْ لِي وَاخْتَرْ لِي‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ حَدِيثِ زَنْفَلٍ وهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَيُقَالُ لَهُ زَنْفَلُ بنُ عَبْدِ الله العَرَفِيّ وكَانَ سَكنُ عَرَفاتٍ وَتَفَرّدَ بهَذَا الْحَدِيثِ وَلاَ يُتَابَعُ عَلَيْهِ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏"‏أللهم خر لي واختر لي‏"‏ أي اجعل أمري خيراً وألهمني فعله واختر لي أصلح الأمرين‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث زنفل‏)‏ بفتح الزاي وسكون النون وبالفاء بوزن جعفر ‏(‏وهو ضعيف عند أهل الحديث‏)‏ قال الحافظ في تهذيب التهذيب بعد نقل كلام الترمذي هذا‏:‏ وقال ابن حبان كان قليل الحديث وفي قلته مناكير لا يحتج به، وفي تاريخ البخاري كان به خبل ‏(‏ويقال له زنفل بن عبد الله العرفي‏)‏ بفتح العين المهملة والراء‏.‏

1990- باب

3652- حدثنا إسْحَاقُ بنُ مَنْصُورٍ، أخبرنا حِبّانُ بنُ هِلاَلٍ حدثنا أبَانُ هُوَ ابنُ يَزِيدَ العَطّارُ، أخبرنا يَحْيَى أنّ زَيْدَ بنَ سَلاّمٍ حدّثَهُ أَنّ أبا سَلاّمٍ حَدّثَهُ عَن أبي مَالِكٍ الأَشْعَرِيّ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏الوُضُوءُ شَطْرُ الإيمانِ، وَالْحَمْدُ لله تَمْلأُ المِيزَانَ، وسُبْحَانَ الله والْحَمْدُ لله تَمْلاَنِ أَوْ تَمْلأُ مَا بَيْنَ السّمَاوَاتِ والأرْضِ، والصّلاَةُ نُورٌ، وَالصّدَقَةُ بُرْهَانٌ، وَالصّبْرُ ضِيَاءٌ، وَالقُرْآنُ حُجّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ كُلّ النّاسِ يَغْدُو، فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أوْ مُوبِقُهَا‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ صحيحٌ‏.‏

ـقوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا يحيى‏)‏ هو ابن أبي كثير الطائي ‏(‏أن زيد بن سلام‏)‏ بن أبي سلام الحبشي ‏(‏أن أبا سلام‏)‏ اسمه ممطور الحبشي ‏(‏عن أبي مالك الأشعري‏)‏ اسمه الحارث بن الحارث صحابي تفرد بالرواية عند أبو سلام‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏الوضوء‏"‏ بضم أوله ‏"‏شطر الإيمان‏"‏ وفي رواية مسلم‏:‏ الطهور شطر الإيمان‏.‏ وفي الحديث جرى النهدي الاَتي‏:‏ الطهور نصف الإيمان‏.‏ قال النووي‏.‏ اختلف العلماء في معناه فقيل معناه أن الأجر فيه ينتهي تضعيفه إلى نصف أجر الإيمان، وقيل معناه أن الإيمان يجب ما قبله من الخطايا وكذلك الوضوء إلا أن الوضوء لا يصح إلا مع الإيمان فصار لتوقفه على الإيمان في معنى الشطر، وقيل المراد بالإيمان هنا الصلاة كما قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وما كان الله ليضيع إيمانكم‏}‏ والطهارة شرط في صحة الصلاة فصارت كالشطر وليس يلزم في الشطر أن يكون نصفاً حقيقياً وهذا القول أقرب الأقوال، ويحتمل أن يكون معناه أن الإيمان تصديق بالقلب وانقياد بالظاهر وهما شطران للإيمان والطهارة متضمنة الصلاة فهي انقياد في الظاهر انتهى ‏"‏والحمد لله تملأ الميزان‏"‏ معناه عظم أجرها وأنه يملأ الميزان وقد تظاهرت نصوص القرآن والسنة على وزن الإيمان وثقل الموازين وخفتها ‏"‏تملاَن أو تملأ‏"‏ شك من الراوي، قال النووي‏:‏ ضبطناهما بالتاء المشاة من فوق، وقال صاحب التحرير يجوز يملاَن بالتأنيث والتذكير جميعاً‏.‏ قال الطيبي فالأول أي تملاَن ظاهر والثاني فيها ضمير الجملة أي الجملة الشاملة لهما ويمكن أن يكون الإفراد بتقدير كل واحدة منهما ‏"‏ما بين السموات والأرض‏"‏ معناه أنه لو قدر ثوابهما جسماً لملاَ ما بين السماوات والأرض، وسبب عظم فضلهما ما اشتملتا عليه من التنزيه لله بقوله سبحان الله‏.‏ والتفويض والافتقار إلى الله تعالى بقوله الحمد لله ‏"‏والصلاة نور‏"‏ معناه أنها تمنع من المعاصي وتنهى عن الفحشاء والمنكر‏.‏ وتهدي إلى الصواب‏.‏ كما أن النور يستضاء به، وقيل معناه أنه يكون أجرها نوراً لصاحبها يوم القيامة وقيل لأنها سبب لاشراق أنوار المعارف وانشراح القلب ومكاشفات الحقائق لفراغ القلب فيها وإقباله إلى الله تعالى بظاهره وباطنه، وقد قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏واستعينوا بالصبر والصلاة‏}‏ وقيل معناه أنها تكون نوراً ظاهراً على وجهه يوم القيامة ويكون في الدنيا أيضاً على وجهه البهاء بخلاف من لم يصل ‏"‏والصدقة برهان‏"‏ معناه يفزع إليها كما يفزع إلى البراهين كأن العبد إذا سئل يوم القيامة عن مصرف ماله كانت صدقاته براهين في جواب هذا السؤال فيقول تصدقت به، ويجوز أن يوسم المتصدق بسيما يعرف بها فيكون برهاناً له على حاله ولا يسأل عن مصرف ماله، وقيل معناه الصدقة حجة على إيمان فاعلها فإن المنافق يمتنع منها لكونه لا يعتقدها فمن تصدق استدل بصدقته على صدق إيمانه ‏"‏والصبر ضياء‏"‏ معناه الصبر المحبوب في الشرع وهو الصبر على طاعة الله تعالى والصبر عن معصيته والصبر أيضاً على النائبات وأنواع المكاره في الدنيا، والمراد أن الصبر المحمود لا يزال صاحبه مستضيئاً مهتدياً مستمراً على الصواب‏.‏ قال إبراهيم الخواص‏:‏ الصبر هو الثبات على الكتاب والسنة ‏"‏والقرآن حجة لك أو عليك‏"‏ معناه ظاهر أي تنتفع به إن تلوته وعملت به وإلا فهو حجة عليك ‏"‏كل الناس يغدو‏"‏ أي يصبح ‏"‏فبايع نفسه فمعتقها أو موبقها‏"‏ أي كل إنسان يسعى بنفسه فمنهم من يبيعها لله تعالى بطاعته فيعتقها من العذاب ومنهم من يبيعها للشيطان والهوى باتباعهما فيوبقها أي يهلكها‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد ومسلم والنسائي‏.‏

1991- باب

3653- حدثنا الحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، حدثنا إسْمَاعِيلُ بنُ عَيّاشٍ عَن عَبْدِ الرّحْمَنِ بنِ زِيَادٍ بن أنعم عَن عَبْدِ الله بنِ يَزِيدِ عَن عَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏التّسْبِيحُ نِصْفُ المِيزَانِ والْحَمْدُ لله يَمْلَؤُهُ‏.‏ وَلاَ إلَهَ إلاّ الله لَيْسَ لَهَا دُونَ الله حِجَابٌ حَتّى تَخْلُصَ إلَيْهِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ولَيْسَ إسْنَادُهُ بالقَوِيّ‏.‏

3654- حدثنا هَنّادٌ، أخبرنا أَبُو الأحْوَصِ عَن أبي إسْحَاقَ عَن جُرَيَر النّهْدِي عَن رَجُلٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ قال‏:‏ ‏"‏عَدّهُنّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم في يَدِي أوْ فِي يَدِهِ‏:‏ التّسْبِيحُ نِصْفُ المِيزَانِ والْحَمْدُ لله يَمْلَؤُهُ‏.‏ والتّكْبِيرُ يَمْلأُ مَا بَيْنَ السّماءِ وَالأَرْضِ، والصّوْمُ نِصْفُ الصّبْرِ، وَالطّهُورُ نِصْفُ الإيمَانِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى هَذا حديثٌ حَسَنٌ‏.‏ وقَدْ رَوَاه شُعْبَةُ وسفيان الثّوْرِيّ عَن أبي إسْحَاقَ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الرحمن بن زياد‏)‏ بن أنعم الأفريقي ‏(‏عن عبد الله بن يزيد‏)‏ هو أبو عبد الرحمن الجبلي المصري المعافري‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏التسبيح نصف الميزان‏"‏ أي ثوابه بعد تجسمه يملأ نصف الميزان والمراد به إحدى كفتيه الموضوعة لوضع الحسنات فيها ‏"‏والحمد لله يملؤه‏"‏ أي الميزان أو نصفه وهو أظهر لأن ذكار تنحصر في نوعين التنزيه والتحميد‏.‏ قال الطيبي فيكون الحمد نصفه الاَخر فهما متساويان، ويلائمه حديث ثقيلتان في الميزان، ويحتمل تفضيل الحمد بأنه يملأ الميزان وحده لاشتماله على التنزيه ضمناً لأن الوصف بالكمال متضمن نفي النقصان ويؤيده قوله‏:‏ ‏"‏ولا إله إلا الله ليس لها دون الله حجاب‏"‏ فإنها تتضمن التحميد والتنزيه ولذا صارت موجبة للقرب وهو معنى قوله‏:‏ ‏"‏حتى تخلص‏"‏ بضم اللام ‏"‏إليه‏"‏ أي تصل عنده وتنتهي إلى محل القبول بالمراد بهذا وأمثاله سرعة القبول والإجابة وكثرة الأجر والإثابة‏.‏ وفيه دلالة ظاهرة على أن لا إله إلا الله أفضل من سبحان الله والحمد لله‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وليس إسناده بالقوي‏)‏ لأن فيه عبد الرحمن بن زياد الإفريقي وهو ضعيف وإسماعيل بن عياش وهو صدوق في روايته عن أهل بلده مخلط في غيرهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا أبو الأحوص‏)‏ اسمه سلام بن سليم الحنفي ‏(‏عن أبي إسحاق‏)‏ السبيعي ‏(‏عن جري‏)‏ بضم الحيم وفتح الراء وتشديد التحتية تصغير جرو بن كليب النهدي الكوفي مقبول من الثالثة ‏(‏عن رجل من بني سليم‏)‏ بالتصغير‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏عدهن‏"‏ أي الخصال الاَتية فهو ضمير مبهم يفسره ما بعده كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فسواهن سبع سماوات‏}‏ والمفسر هنا قوله التسبيح الخ ‏"‏في يدي‏"‏ أي أخذ أصابع يدي وجعل يعقدها في الكف خمس مرات على عد الخصال لمزيد التفهيم والاستحضار ‏"‏أو في يده‏"‏ شك من الراوي ‏"‏والصوم نصف الصبر‏"‏ وهو الصبر على الطاعة فبقي النصف الاَخر عن المعصية أو المصيبة‏.‏ أو الصوم صبر عن الحلق والفرج فبقي نصفه الاَخر من الصبر عن سائر الأعضاء ‏"‏والطهور‏"‏ بضم أوله ‏"‏نصف الإيمان‏"‏ لأن الإيمان تطهير السر عن دنس الشرك فمن طهر جوارحه فقد طهر ظاهره وهو آت بنصف الإيمان فإن طهر باطنه استكمل الإيمان‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه أحمد من طريق شعبة عن أبي إسحاق عن جري النهدي‏.‏

1992- باب

3655- حدثنا مُحمّدُ بنُ حَاتِمٍ المُؤَدّبُ، أخبرنا عَلِيّ بنُ ثابِتٍ حدثني قَيْسُ بنُ الرّبِيعِ وكَانَ مِنْ بَنِي أسَدٍ عَن الأَغَرّ بنِ الصّبّاحِ عَن خَلِيفَةَ بنِ حُصَيْنٍ عَن عَلِيّ بنِ أَبي طالِبٍ قالَ‏:‏ ‏"‏أكْثَرُ مَا دَعَا بِهِ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَشِيّةَ عَرَفَةَ في المَوْقِفِ‏:‏ اللّهُمّ لَكَ الْحَمْدُ كالّذِي نَقُولُ وخَيْراً مِمّا نَقُولُ‏.‏ اللّهُمّ لَكَ صَلاَتِي ونُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي، وإلَيْكَ مَآبي، وَلَكَ رَبّ تُرَاثي‏.‏ اللّهُمّ إِنّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَوَسْوَسَةِ الصّدْرِ، وَشَتَاتِ الأمْرِ‏.‏ اللّهُمّ إِنّي أَعُوذَ بِكَ مِنْ شَرّ مَا تَجِيءُ بِهِ الرّيحُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ولَيْسَ إِسْنَادُهُ بالْقَوِيّ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا علي بن ثابت‏)‏ الجزري الهاشمي ‏(‏عن الأغر بن الصباح‏)‏ التميمي المنقري ‏(‏عن خليفة بن حصين‏)‏ بن قيس التميمي المنقري‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏كالذي تقول‏"‏ بالفوقية أي كالحمد الذي تحمد به نفسك ‏"‏وخيراً مما نقول‏"‏ بالنون أي وخيراً مما نحمدك به من المحامد ‏(‏أللهم لك‏)‏ أي لا لغيرك ‏"‏ونسكى‏"‏ أي وسائر عباداتي أو تقربي بالذبح ‏"‏ومحياي ومماتي‏"‏ أي حياتي وموتي‏.‏ وقال الطيبي أي وما آتيه في حياتي وما أموت عليه من الإيمان والعمل الصالح ‏"‏وإليك مآبي‏"‏ أي مرجعي ‏"‏ولك رب‏"‏ أي يا رب ‏"‏ترائي‏"‏ بضم الفوقية وبالراء وبالمثلثة، قال المناوي هو ما يخلفه الإنسان لورثته فبين أنه لا يورث وأن ما يخلفه صدقه لله ‏"‏ووسوسة الصدر‏"‏ أي حديث النفس بما لا ينبغي ‏"‏وشتات الأمر‏"‏ بفتح المعجمة وخفة المثناة الفوقية أي تفرقه وعدم انضباطه وذلك هو من أعظم أسباب الضرر اللاحق لمن لا تنضبط له الأمور‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان ‏(‏وليس إسناده بالقوي‏)‏ لأن فيه قيس بن الرببيع وهو صدوق تغير لما كبر وأدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه فحدث به‏.‏

1993- باب

3656- حدثنا مُحمّدُ بنُ حَاتِمٍ المُؤَدّبُ، حدثنا عَمّارُ بنُ مُحَمدِ بنِ أُخْتِ سُفْيَانَ الثّوْرِيّ أخبرنا لَيْثُ بنُ أَبي سُلَيْمٍ عَن عَبْدِ الرّحْمَنِ بنِ سَابِطٍ عَن أبي أُمَامَةَ قالَ‏:‏ ‏"‏دعَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِدُعَاءٍ كَثِيرٍ لَمْ نَحْفَظْ مِنْهُ شَيْئاً، قُلْنَا يَا رَسُولَ الله دَعَوْتَ بِدُعَاءٍ كَثِيرٍ لَمْ نَحْفَظْ مِنْهُ شَيْئاً فقالَ‏:‏ أَلاَ أَدُلّكُمْ عَلَى مَا يَجْمَعُ ذَلِكَ كُلّهُ‏؟‏ نَقُولُ اللّهُمّ إنّا نَسْألُكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَكَ مِنْهُ نَبِيّكَ مُحمّدٌ صلى الله عليه وسلم، ونَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّ ما اسْتَعَاذَ مِنْهُ نَبِيّكَ مُحمدٌ صلى الله عليه وسلم وأنْتَ الْمُسْتَعَانُ وعَلَيْكَ البَلاَغُ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوّةَ إلاّ بالله‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏"‏على ما يجمع ذلك كله‏"‏ أي على دعاء يجمع كل ما دعوت به من الدعاء الكثير ‏"‏وعليك البلاغ‏"‏ قال في النهاية‏:‏ البلاغ ما يتبلغ ويتوصل به إلى الشيء المطلوب‏.‏ وقال في المجمع‏:‏ وحديث فلا بلاغ اليوم إلا بك أي لا كفاية‏.‏

قال الشوكاني ولا شيء أجمع ولا أنفع من هذا الدعاء فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صح عنه من الأدعية الكثير الطيب وصح عنه من التعوذ مما ينبغي التعوذ منه الكثير الطيب حتى لم يبق خير في الدنيا والاَخرة إلا قد سأله من ربه‏.‏ ولم يبق شر في الدنيا والاَخرة إلا وقد استعاذ ربه منه، فمن سأل الله عز وجل من خير ما سأله منه نبيه صلى الله عليه وسلم واستعاذ من شر ما استعاذ منه نبيه صلى الله عليه وسلم فقد جاء في دعائه بما لا يحتاج بع د إلى غيره وسأله الخير على اختلاف أنواعه واستعاذ من الشر على اختلاف أنواعه وحظي بالعمل بإرشاده صلى الله عليه وسلم إلى هذا القول الجامع والدعاء النافع انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه الطبراني في الكبير‏.‏

1994- باب

3657- حدثنا أبُو مُوسَى الأنْصَارِيّ، أخبرنا مُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ عَن أبي كَعْبٍ صَاحِبِ الْحَرِيرِ قالَ حدثني شَهْرُ بنُ حَوْشَبٍ قالَ قُلْتُ لاِمّ سَلَمَةَ‏:‏ ‏"‏يَا أُمّ المُؤْمِنينَ ما كانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم إِذَا كانَ عِنْدَكِ‏؟‏ قالَتْ كانَ أَكْثَرُ دُعَائِهِ‏:‏ يَا مُقَلّبَ القلُوبِ ثَبّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ‏.‏ قالَتْ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ الله ما أَكْثَرِ دُعَاكَ يَا مُقَلّبَ القُلُوب ثَبّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ‏؟‏ قالَ‏:‏ يَا أُمّ سَلمَةَ إنّهُ لَيْسَ آدَمِيّ إلاّ وَقَلْبُهُ بَيْنَ أَصْبعَيْنِ مِنْ أصَابعِ الله فَمَنْ شَاءَ أَقَامَ وَمَنْ أشَاءَ أزَاغَ‏"‏‏.‏ فَتَلاَ مُعَاذٌ ‏{‏رَبّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إذْ هَدَيْتَنَا‏}‏‏.‏

قال وفي البابِ عن عائِشَةِ والنّوّاسِ بنِ سمْعَانَ وَأنَسٍ وَجَابِرٍ وَعَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو وَنُعَيْمِ بنِ عِمَارٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أبو موسى الأنصاري‏)‏ هو إسحاق بن موسى ‏(‏أخبرنا معاذ ابن معاذ‏)‏ العنبري التميمي البصري ‏(‏عن أبي كعب صاحب الحرير‏)‏ اسمه عبد ربه بن عبيد الأزدي مولاهم ثقة من السابعة‏.‏ قال في تهذيب التهذيب روى له الترمذي حديثاً واحداً‏:‏ ‏"‏يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك‏"‏‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏يا مقلب القلوب الخ‏"‏ تقدم شرحه في باب ما جاء أن القلوب بين إصبعي الرحمن من أبواب القدر ‏(‏قالت‏)‏ أي أم سلمة ‏(‏ما لأكثر دعائك‏)‏ أي ما السبب في إكثارك هذا الدعاء ‏(‏قال‏)‏ أي النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏إنه‏"‏ الضمير للشأن ‏"‏فمن شاء أقام‏"‏ أي فمن شاء الله أقام قلبه وثبته على دينه وطاعته ‏"‏ومن شاء أزاغ‏"‏ أي ومن شاء الله أمال قلبه وصرفه عن دينه وطاعته ‏(‏فتلا معاذ‏)‏ أي ابن معاذ المذكور‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عائشة والنواس بن سمعان الخ‏)‏ أما حديث النواس فأخرجه أحمد، وأما حديث أنس فأخرجه أحمد وابن ماجة والحاكم وأخرجه الترمذي أيضاً في القدر، وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه أحمد ومسلم، وأما أحاديث بقية الصحابة فلينظر من أخرجها‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه أحمد‏.‏

1995- باب

3658- حدثنا مُحمدُ بنُ حَاتِمٍ المُؤَدّبُ، أخبرنا الْحَكَمُ بنُ ظُهَيْرٍ حدثنا عَلْقَمَةُ بنُ مَرْثَدٍ عن سُلَيْمَانَ بنِ بُرَيْدَة عَن أبِيهِ قالَ‏:‏ ‏"‏شَكَا خَالِدُ بنُ الوَلِيدِ الْمَخْزومِيّ إِلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقالَ يا رَسُولَ الله مَا أَنَامُ اللّيْلَ مِنَ الأرَقِ‏.‏ فقالَ النبيّ الله صلى الله عليه وسلم إذَا أَوَيْتَ إلى فِرَاشِكَ فَقُلِ اللّهُمّ رَبّ السّمَاوَاتِ السّبْعِ وَمَا أَظَلّتْ، وَرَبّ الأرَضِينِ ومَا أَقَلّتْ، ورَبّ الشّيَاطِينِ وَمَا أضَلّتْ، كُنْ لِي جَاراً مِنْ شَرّ خَلْقِكَ كُلّهِمْ جَمِيعاً أَنْ يَفْرُطَ عَلَيّ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَوْ أَنْ يَبْغَى على‏.‏ عَزّ جَارُكَ وَجَلّ ثَنَاؤُكَ وَلاَ إلَهَ غَيْرُكَ ولاَ إلَهَ إلاّ أَنْتَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ لَيْسَ إِسْنَادُهُ بالْقَوِيّ‏.‏ وَالحَكَمُ بنُ ظُهَيْرٍ قَدْ تَرَكَ حَدِيثَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثَ‏.‏ وَيُرْوَى هَذَا الْحَدِي عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم مُرْسلاً مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ‏.‏

3659- حدثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ، حدثنا إسْمَاعِيلُ بنُ عَيّاشٍ عَن مُحمّدِ بنِ إسْحَاقَ عَن عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ عَن أَبيهِ عَن جَدّهِ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏إذَا فَزِعَ أَحَدُكُمْ في النّوْمِ فَلْيَقُلْ أعُوذُ بِكَلِمَاتِ الله التّامات مِنْ غَضَبِهِ وَعِقَابِهِ وشَرّ عِبَادِهِ، ومِنْ هَمَزَاتِ الشّيَاطِينِ وأَنْ يَحْضُرُونِ فإِنّهَا لَنْ تَضُرّهُقال‏:‏ وكانَ عَبْدُ الله بنُ عَمْرٍو يُعلمهامَنْ بَلَغَ مِنْ وَلَدِهِ، وَمَنْ لَمْ يَبْلُغْ مِنْهُمْ كَتَبَهَا في صَك ثُمّ عَلّقَهَا في عُنُقِهِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا الحكم بن ظهير‏)‏ بالمعجمة مصغراً الفزاري أبو محمد وكنية أبيه أبو ليلى ويقال أبو خالد متروك رمي بالرفض واتهمه ابن معين من الثامنة ‏(‏عن أبيه‏)‏ هو بريدة بن الحصيب الأسلمي‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏فقال يا رسول الله ما أنام الليل من الأرق‏)‏ هذا بيان لقوله شكا والأرق بفتحتين أي من أجل السهر وهو مفارقة الرجل النوم من وسواس أو حزن أو غير ذلك ‏"‏إذا أويت‏"‏ بالقصر ‏"‏وما أظلت‏"‏ أي وما أوقعت ظلها عليه ‏"‏وما أقلت‏"‏ أي حملت ورفعت من المخلوقات ‏"‏وما أضلت‏"‏ أي وما أضلت الشياطين من الإنس والجن، فما هنا بمعنى من‏.‏ وفيما قبل غلب فيها غير العاقل، ويمكن أن ما هنا للمشا كلة ‏"‏كن لي جاراً‏"‏ من استجرت فلاناً فأجارني ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وهو يجير ولا يجار عليه‏}‏ أي كن لي معيناً ومانعاً ومجيراً وحافظاً ‏"‏أن يفرط على أحد منهم‏"‏ أي من أن يفرط على أنه بدل اشتمال من شر خلقك أو لئلا يفرط أو كراهة أن يفرط، يقال فرط عليه أي عدا عليه ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أن يفرط علينا أو أن يبغي‏}‏ بكسر الغين أي يظلم على أحد ‏"‏عز جارك‏"‏ أي غلب مستجيرك وصار عزيزاً ‏"‏وجل‏"‏ أي عظم ‏"‏ثناؤك‏"‏ يحتمل إضافته إلى الفاعل والمفعول ويحتمل أن يكون المثنى غيره أو ذاته فيكون كقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أنت كما أثنيت على نفسك‏"‏‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث ليس إسناده بالقوي الخ‏)‏ والحديث أخرجه الطبراني وابن أبي شيبة من حديث خالد بن الوليد‏.‏

- قوله‏:‏ ‏"‏إذا فزع‏"‏ بكسر الزاي أي خاف ‏"‏في النوم‏"‏ أي في حال النوم أو عند إرادته ‏"‏أعوذ بكلمات الله التامة‏"‏ أي الكاملة الشاملة الفاضلة وهي أسماؤه وصفاته وآيات كتبه ‏"‏وعقابه‏"‏ أي عذابه ‏"‏شر عباده‏"‏ من الظلم والمعصية ونحوهما ‏"‏ومن همزات الشياطين‏"‏ أي نزغاتهم وخطراتهم ووساوسهم وإلقائهم الفتنة والعقائد الفاسدة في القلب وهو تخصيص بعد تعميم ‏"‏وأن يحضرون‏"‏ بحذف الياء وإبقاء الكسرة دليلاً عليها أي ومن أن يحضروني في أموري كالصلاة وقراءة القرآن وغير ذلك لأنهم إنما يحضرون بسوء ‏"‏فإنها‏"‏ أي الهمزات ‏"‏لن تضره‏"‏ أي إذا دعا بهذا الدعاء وفيه دليل على أن الفزع إنما هو من الشيطان ‏(‏يلقنها‏)‏ أي هذه الكلمات وهو من التلقين، وفي بعض النسخ يعلمها من التعليم ‏(‏من بلغ من ولده‏)‏ أي ليتعوذ بها ‏(‏في صك‏)‏ أي في ورقة ‏(‏ثم علقها‏)‏ أي علق الورقة التي هي فيها ‏(‏في عنقه‏)‏ أي في رقبة ولده الذي لم يبلغ‏.‏ قال الشيخ عبد الحق الدهلوي في اللمعات‏:‏ هذا هو السند في ما يعلق في أعناق الصبيان من التعويذات وفيه كلام، وأما تعليق الحرز والتمائم مما كان من رسوم الجاهلية فحرام بلا خلاف انتهى‏.‏ قلت تقدم الكلام في تعليق التعويذات في باب كراهية التعليق من أبواب الطب‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه أبو داود والنسائي والحاكم وقال صحيح الإسناد وليس عنده تخصيصها بالنوم‏.‏

1996- باب

3660- حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، حدثنا مُحمّدُ بنُ جَعْفَر، حدثنا شُعْبَة عَن عَمْرِو بنِ مُرّةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ الله بنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ قُلْت لَه أأنْتَ سَمِعْتَهُ مِنْ عَبْدِ الله‏؟‏ قالَ نَعَمْ‏.‏ وَرَفَعَهُ أَنّهُ قالَ ‏"‏لا أَحَدَ أَغْيَرُ مِنَ الله وَلِذَلِكَ حَرّمَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ منها وَمَا بَطَنَ، ولاَ أَحَدَ أحَبّ إِلَيْهِ المَدْحُ مِنَ الله وَلِذَلِكَ مَدَحَ نَفْسَهُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غَرِيبٌ من هذا الوجه‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن جعفر‏)‏ المعروف بغندر ‏(‏عن عمر بن مرة‏)‏ الجملي المرادي ‏(‏قلت له‏)‏ أي لأبي وائل وهذا قول عمرو بن مرة ‏(‏قال نعم‏)‏ أي قال أبو وائل نعم قد سمعت هذا الحديث من عبد الله بن مسعود ‏(‏ورفعه‏)‏ أي رفع ابن مسعود الحديث يعني رواه مرفوعاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله ‏"‏لا أحد أغير‏"‏ أفعل التفضيل من الغيرة بفتح الغين وهي الأنفة والحمية‏.‏ قال النحاس هو أن يحمي الرجل زوجته وغيرها من قرابته ويمنع أن يدخل عليهن أو يراهن غير ذي محرم، والغيور ضد الديوث والقندع بضم الدال وفتحها الديوث هذا في حق الاَدميين، وأما في حق الله فقد جاء مفسراً في الحديث وغيرة الله تعالى أن يأتي المؤمن ما حرمه الله عليه أي أن غيرته منعه وتحريمه، ولما حرم الله الفواحش وتواعد عليها وصفه صلى الله عليه وسلم بالغيرة وقال صلى الله عليه وسلم ‏"‏من غيرته أن حرم الفواحش‏"‏ ‏"‏ولذلك‏"‏ أي لأجل الغيرة ‏"‏حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن‏"‏ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن‏}‏ قال ابن جرير إن أهل التأويل اختلفوا في المراد بالفواحش فمنهم من حملها على العموم وساق ذلك عن قنادة قال المراد سر الفواحش وعلانيتها، ومنهم من حملها على نوع خاص وساق عن ابن عباس قال كانوا في الجاهلية لا يرون بالزنا بأساً في السر ويستقبحونه في العلانية فحرم الله الزنا في السر والعلانية‏.‏ ومن طريق سعيد بن جبير ومجاهد‏:‏ ما ظهر نكاح الأمهات وما بطن الزنا، ثم اختار ابن جرير القول الأول قال وليس ما روى عن ابن عباس وغيره بمدفوع ولكن الأولى الحمل على العموم انتهى ‏"‏ولا أحد أحب إليه المدح من الله‏"‏ يجوز في أحب الرفع والنصب وهو أفعل التفضيل بمعنى المفعول، وقوله المدح بالرفع فاعله، وحب الله المدح ليس من جنس ما يعقل من حب المدح وإنما الرب أحب الطاعات ومن جملتها مدحه ليثيب على ذلك فينتفع المكلف لا لينتفع هو بالمدح‏.‏ ونحن نحب المدح لننتفع ويرتفع قدرنا في قومنا‏.‏ فظهر من غلط العامة قولهم‏:‏ إذا أحب الله المدح فكيف لا نحبه نحن فإفهم ‏"‏ولذلك‏"‏ أي ولأجل حبه المدح‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏

1997- باب

3661- حدثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا اللّيْثُ عَن يَزِيدَ بنِ أبي حَبِيبٍ عَن أبي الْخَيرِ عَن عَبْدِ الله بنِ عَمْرِو عَن أَبي بَكْرٍ الصّدّيقِ أَنّهُ قَالَ لرَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم عَلّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ في صَلاَتِي قَالَ‏:‏ قُلْ‏:‏ اللّهُمْ إنّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْماً كَثِيراً ولاَ يَغْفِرُ الذّنُوبَ إلاّ أنْتَ فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي إِنّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرّحيمُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وهُو حَدِيثُ لَيْثِ بنِ سَعْدٍ وأَبُو الْخَيْرِ اسْمُهُ مَرْثَدُ بنُ عَبْدِ الله اليَزَنِيّ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي الخير‏)‏ اسمه مرثد بن عبد الله اليزني بفتح التحتانية والزاي بعدها نون ‏(‏عن عبد الله بن عمرو‏)‏ بن العاص السهمي قوله‏:‏ ‏(‏أدعو به في صلاتي‏)‏ أي عقب التشهد كما قيده بعض علمائنا قاله القاري‏.‏ قلت‏:‏ وإلى هذا احتج البخاري في صحيحه فقال باب الدعاء قبل السلام ثم ذكر حديث أبي بكر هذا‏.‏ وقال ابن دقيق العيد في الكلام على هذا الحديث هذا يقتضي الأمر بهذا الدعاء في الصلاة من غير تعيين محله ولعل الأولى أن يكون في أحد موطنين السجود والتشهد لأنهما أمر فيهما بالدعاء ‏"‏ظلمت نفسي‏"‏ أي بملابسة ما يستوجب العقوبة أو ينقص الحظ وفيه أن الإنسان لا يعري عن تقصير ولو كان صديقاً ‏"‏ولا يغفر الذنوب إلا أنت‏"‏ فيه إقرار بالوحدانية واستجلاب للمغفرة وهو كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم‏}‏ الاَية فأثنى على المستغفرين وفي ضمن ثنائه عليهم بالاستغفار لوح بالأمر به كما قيل إن كل شيء أثنى الله على فاعله فهو آمر به وكل شيء ذم فاعله فهو ناه عنه ‏"‏مغفرة من عندك‏"‏ قال الطيبي‏:‏ دل التنكير على أن المطلوب غفران عظيم لا يدرك كنهه ووصفه بكونه من عنده سبحانه وتعالى مريداً لذلك لأن العظم الذي يكون من عند الله لا يحيط به وصف ‏"‏إنك أنت الغفور الرحيم‏"‏ هما صفتان ذكرتا ختماً للكلام على جهة المقابلة لما تقدم، فالغفور مقابل لقوله ‏"‏إغفر لي‏"‏‏.‏ والرحيم مقابل إرحمني وهي مقابلة مرتبة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه الشيخان والنسائي وابن ماجة‏.‏

1998- باب

3662- حدثنا مُحمّدُ بنُ حَاتِمٍ المكتب، أخبرنا أبُو بَدْرٍ شُجَاعُ بنُ الوَلِيدِ عَن الرّجَيلِ بنِ مُعَاوِيَةَ أَخِي زُهَيْرِ بن مُعَاويةَ عَن الرّقَاشِيّ عَن أنَسِ بنِ مَالِكٍ قَالَ‏:‏ ‏"‏كَانَ النبيّ صلى الله عليه وسلم إِذَا كَرَبَهُ أَمْرٌ قَالَ‏:‏ يَا حَيّ يَا قَيّومُ بِرَحْمَتِكَ أسْتَغِيثُ‏"‏‏.‏

وَبإِسْنَادِهِ قالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏أَلِظّوا بِيَاذَا الْجَلاَلِ والإِكْرَامِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ غَرِيبٌ‏.‏ وَقَدْ رُوِيَ هذا الحَدِيثُ عن أنَسٍ مِنْ غَيْرِ وجهٍ‏.‏

3663- حدثنا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، أخبرنا مُؤَمّلٌ عَن حَمّادِ بنِ سَلَمَةَ عَن حُمَيْدٍ عَن أنَسٍ أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ ‏"‏أَلِظّوا بِيَاذَا الْجَلاَلِ والإِكْرَامِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ غَرِيبٌ وَلَيْسَ بمَحْفُوظٍ وَإنّمَا يُرْوَى هَذَا عَن حَمّادِ بنِ سَلَمَةَ عَن حُمَيْدٍ عَن الحَسَنِ البَصْرِيّ عَن النّبيّ صلى الله عليه وسلم وَهَذَا أَصَحّ‏.‏ ومؤمل غَلطَ فِيهِ فَقَالَ عن حماد عَن حُمَيْدٍ عَن أنَسٍ وَلاَ يُتَابَعُ فِيهِ‏.‏

3664- حدثنا مَحمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، أخبرنا وَكِيعٌ، أخبرنا سُفْيَانُ عَن الجُرَيْرِيّ عَن أَبي الوَرْدِ عَن اللّجْلاَجِ عَن مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ قَالَ ‏"‏سَمِعَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم رَجلاً يَدْعُو يَقُولُ اللّهُمّ إِنّي أَسْأَلُكَ تمَامَ النّعْمَةِ، فَقَالَ أَيّ شَيْءٍ تمَامُ النّعْمَةِ‏؟‏ قَالَ دَعْوَةٌ دَعَوْتُ بِهَا أرْجُو بِهَا الْخَيْرَ، قالَ‏:‏ فَإِنّ مِنْ تَمَامِ النّعْمَةِ دُخُولَ الْجَنّةِ والفَوْزَ مِنَ النّارِ‏"‏‏.‏ وسَمِعَ رَجُلاً وهُوَ يَقُولُ ياذَا الْجَلاَلِ والإِكْرَامِ فَقَالَ ‏"‏قَدْ اسْتَجِيبَ لَكَ فَسَلْ وَسَمِعَ النبيّ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً وَهُوَ يَقُولُ‏:‏ اللّهُمّ إِنّي أَسْألُكَ الصّبْرَ قالَ سَأَلْتَ الله البَلاَءَ فسْأَلْهُ العَافِيةَ‏"‏‏.‏

3665- حدثنا أحْمَدُ بنُ مَنيعٍ، حدثنا إسْمَاعِيلُ بنُ إبْرَاهيمَ عَن الجُرَيْرِيّ بهذَا الإِسْنَادِ نَحْوَهُ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن الرحيل‏)‏ بضم الراء وفتح الهاء المهملة مصغراً ‏(‏بن معاوية‏)‏ ابن حديج بضم المهملة وآخره جيم الجعفي الكوفي صدوق من السابعة ‏(‏عن الرقاشي‏)‏ بفتح الراء وتخفيف القاف إسمه يزيد بن أبان‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏إذا كربه أمر‏)‏ أي أصابه كرب وشدة ‏"‏يا حي‏"‏ أي الدائم البقاء ‏"‏يا قيوم‏"‏ أي المبالغ في القيام بتدبير خلقه ‏"‏برحمتك أستغيث‏"‏ أي أطلب الإغاثة وأطلب الإعانة، قوله‏:‏ ‏(‏وبإسناده‏)‏ أي بإسناد الحديث المذكور ‏"‏ألظوا بياذا الجلال والإكرام‏"‏ أي ألزموه وأثبتوا عليه وأكثروا من قوله والتلفظ به في دعائكم، يقال ألظ بالشيء يلظ إلظاظ إذا لزمه وثابر عليه كذا في النهاية- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا مؤمل‏)‏ هو ابن إسماعيل العدوي ‏(‏عن حماد بن سلمة‏)‏ بن دينار البصري‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ قال السيوطي في الجامع الصغير بعد ذكر حديث ‏"‏ألظوا بياذا الجلال والإكرام‏"‏‏.‏ رواه الترمذي عن أنس وأحمد والنسائي والحاكم عن ربيعة بن عامر هو الطويل‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا سفيان‏)‏ هو الثوري ‏(‏عن الجريري‏)‏ بالتصغير هو سعيد بن إياس ‏(‏عن أبي الورد‏)‏ هو ابن ثمامة بن حزن القشيري البصري مقبول من السادسة ‏(‏عن اللجلاج العامري‏)‏ صحابي سكن دمشق‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏يقول‏)‏ بدل أو حال ‏(‏فقال‏)‏ أي النبي صلى الله عليه وسلم سؤال امتحان ‏(‏دعوة‏)‏ أي مستجابة ذكره الطيبي أو هو دعوة أو مسألة دعوة ‏(‏أرجو بها الخير‏)‏ وفي المشكاة أرجو بها خيراً‏.‏ قال القاري أي مالاً كثيراً‏.‏ قال الطيبي‏:‏ وجه مطابقة الجواب السؤال هو أن جواب الرجل من باب الكناية أي أسأله دعوة مستجابة فيحصل مطلوبي منها، ولما صرح بقوله خيراً فكان غرضه المال الكثير كما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إن ترك خيراً‏}‏ فرده صلى الله عليه وسلم بقوله‏:‏ ‏"‏إن من تمام النعمة الخ‏"‏ وأشار إلى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز‏}‏ انتهى‏.‏ قال القاري‏:‏ والأظهر أن الرجل حمل النعمة على النعم الدنيوية الفانية وتمامها على مدعاه في دعائه فرده صلى الله عليه وسلم عن ذلك ودله على أن لا نعمة إلا النعمة الباقية الأخروية ‏(‏فإن من تمام النعمة دخول الجنة‏)‏ ابتداء ‏"‏والفوز‏"‏ الخلاص والنجاة ‏"‏من النار‏"‏ أي ولو انتهاء ‏(‏وسمع‏)‏ أي النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏ياذا الجلال والإكرام‏)‏ أي ياذا العظمة والكبرياء والإكرام لأوليائه ‏"‏قد استجيب لك فسل‏"‏ أي ما تريد، وفيه دليل على أن استفتاح الدعاء بقول الداعي‏:‏ ياذا الجلال والإكرام يكون سبباً في الإجابة وفضل الله واسع ‏(‏قال‏)‏ أي النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏سألت الله البلاء‏"‏ أي لأنه يترتب عليه ‏"‏فاسأله العافية‏"‏ أي فإنها أوسع وكل أحد لا يقدر أن يصبر على البلاء، ومحل هذا إنما هو قبل وقوع البلاء وأما بعده فلا منع من سؤال الصبر بل مستحب لقوله‏:‏ ‏{‏ربنا أفرغ علينا صبراً‏}‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه أحمد‏.‏

1999- باب

3666- حدثنا الحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، أخبرنا إِسْمَاعِيلُ بنُ عَيّاشٍ عَن عَبْدِ الله بنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بنِ أَبي حُسَيْنٍ عَن شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ عَن أَبي أُمَامَةَ البَاهلِيّ قالَ‏:‏ سَمِعْتُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ‏:‏ ‏"‏مَنْ أَوَى إِلى فِرَاشِهِ طَاهراً يَذْكُرُ الله حَتّى يُدْرِكَهُ النّعَاسُ لَمْ يَنْقَلِبْ سَاعَةً مِنَ اللّيْلِ يَسْألُ الله شَيْئاً مِنْ خَيْرِ الدّنْيَا والاَخِرَةِ إلاّ أَعْطاهُ الله إيّاهُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ‏.‏ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا أَيْضاً عَن شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ عن أَبِي ظَبْيَةَ عَن عَمْرِو بنِ عَبسَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

- قوله‏:‏ ‏"‏من أوى إلى فراشه‏"‏ أي لينام ‏"‏طاهراً‏"‏ أي متوضئاً ‏"‏يذكر الله‏"‏ جملة حالية ‏"‏حتى يدركه النعاس‏"‏ بضم النون يعني حتى ينام ‏"‏لم ينقلب‏"‏ من الإنقلاب‏.‏ وفي بعض النسخ لم يتقلب من التقلب والمراد من الانقلاب هنا الاستيقاظ والانتباه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي ظبية‏)‏ بفتح المعجمة وسكون الموحدة بعدها تحتانية ويقال بالمهملة وتقديم التحتانية والأول أصح السلفي بضم المهملة الكلاعي بفتح الكاف نزل حمص مقبول من الثامنة ‏(‏عن عمرو بن عبسة عن النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ حديث عمرو بن عبسة هذا أخرجه أحمد في مسنده‏.‏

2000- باب

3667- حدثنا الحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، أخبرنا إسْمَاعيلُ بنُ عَيّاشٍ عَن مُحمّدِ بنِ زِيَادٍ عَن أبي رَاشِدٍ الْحُيرانِيّ قالَ‏:‏ ‏"‏أتَيْتُ عَبْدَ الله بنَ عَمْرِو بنِ العَاصِ فَقُلْتُ لَهُ حَدّثنا مِمّا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فألْقَى إليّ صَحِيفَةً فقالَ‏:‏ هَذَا مَا كَتَبَ لِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قالَ فَنَظَرْتُ فِيهَا فإِذَا فِيهَا أَنّ أبَا بَكْرٍ الصّدّيقَ رضى الله عنه قالَ يا رَسُولَ الله عَلّمْنِي مَا أقُولُ إِذَا أَصْبَحْتُ وإذَا أمْسَيْتُ، فقالَ‏:‏ يا أبَا بَكْرٍ قُلْ‏:‏ اللّهُمّ فَاطِرَ السّماوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الغَيْبِ والشّهَادَةِ لاَ إلَهَ إلاّ أَنْتَ رَبّ كُلّ شَيْءٍ وَمَلِيكَهُ أعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّ نَفْسِي ومِنْ شَرّ الشّيْطَانِ وَشركِهِ وَأَنْ أَقْتَرِفَ عَلَى نَفْسِي سُوءًا أوْ أَجُرّهُ إِلى مُسْلِمٍ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ‏.‏

3668- حدثنا مُحمّدُ بنُ حُمَيْدٍ الرّازِيّ، حدثنا الفَضْلُ بنُ مُوسَى عَن الأَعْمَشِ عَن أَنَسِ بنِ مالِك ‏"‏أنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم مَرّ بِشَجَرَةٍ يَابِسَةِ الوَرَقِ فَضَرَبَهَا بِعَصَاهُ فَتَنَاثَرَ الوَرَقُ‏.‏ فقالَ إنّ الْحَمْدَ الله وَسُبْحَانَ الله ولاَ إلَهَ إلاّ الله والله أكْبَرُ لَتُسَاقِط مِنَ ذُنُوبِ العَبْدِ كَمَا تَسَاقَطَ وَرَقُ هذه الشّجَرَةِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ غَرِيبٌ وَلاَ نعرف لِلأَعْمَشِ سَمَاعاً مِنْ أَنَسٍ إِلاّ أنّهُ قَدْ رَآهُ ونَظَر إلَيْهِ‏.‏

3669- حدثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا اللّيْثُ عَن الْجُلاَحِ بن كَثِيرٍ عَن بن عَبْدِ الرّحْمَنِ الْحُبُلِيّ عَن عُمَارَةَ بنِ شَبِيبٍ السّائيّ قالَ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏مَنْ قالَ لا إِلَه إلاّ الله وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ عَشْرَ مَرّاتٍ عَلَى أَثَرِ الْمَغْرِبِ بَعَثَ الله لَهُ مَسْلَحةً يَحْفَظُونَهُ مِنَ الشّيْطَانِ حَتّى يُصْبِحَ وَكَتَبَ الله لَهُ بِهَا عَشْرَ حَسَنَاتٍ مُوجِبَاتٍ ومَحى عَنْهُ عَشْرَ سَيّئَاتٍ مُوبِقَاتٍ وَكانَتْ لَهُ بِعِدْلِ عَشْرِ رَقَاب مُؤْمِنَاتٍ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَريبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ حَدِيثِ لَيْثِ بنِ سَعْدٍ وَلاَ نَعْرِفُ لِعِمَارَةَ بنِ شَبِيبٍ سَمَاعاً مِنَ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن محمد بن زياد‏)‏ الألهاني ‏(‏عن أبي راشد الحبراني‏)‏ بضم المهملة وسكون الموحدة الشامي قيل اسمه أخضر وقيل النعمان ثقة من الثالثة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏فألقى‏)‏ أي عبد الله بن عمرو ‏(‏إلي‏)‏ بتشديد الياء ‏(‏صحيفة‏)‏ أي كتاباً ‏(‏هذا‏)‏ أي الذي ألقيت إليك ‏"‏أللهم فاطر السماوات والأرض إلى قوله ومن شر الشيطان وشركه‏"‏ تقدم شرحه بعد باب الدعاء إذا أصبح وإذا أمسى ‏"‏وأن أقترف‏"‏ أي أكتسب وأعمل ‏"‏أو أجره‏"‏ من الجر والضمير المنصوب راجع إلى قوله سوء‏.‏

قوله‏:‏ ‏"‏فضربها‏"‏ أي أغصان الشجرة ‏(‏فتناثر الورق‏)‏ أي تساقط ‏"‏إن الحمد لله وسبحان الله الخ‏"‏ قال الطيبي‏:‏ هذه الكلمات كلها بالنصب على إسم لمن وخبرها قوله‏:‏ ‏"‏لتساقط‏"‏ بضم التاء من باب المفاعلة ‏"‏من ذنوب العبد‏"‏ أي المتكلم بهذه الكلمات ‏"‏كما تساقط ورق الشجرة هذه‏"‏ بصيغة الماضي المعلوم ومن باب التفاعل، والمعنى أن هذه الكلمات تساقط ذنوب العبد فتتساقط كما تساقط ورق هذه الشجرة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب ولا نعرف للأعمش سماعاً من أنس الخ‏)‏ قال المنذري‏:‏ وأخرجه أحمد من غير طريق الأعمش ورجاله رجال الصحيح‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن الجلاح‏)‏ بضم الجيم وخفة اللام وبالحاء المهملة ‏(‏أبي كثير‏)‏ المصري مولى الأمويين صدوق من السادسة ‏(‏عن عمارة‏)‏ بضم العين وتخفيف الميم ‏(‏بن شبيب‏)‏ بفتح المعجمة وكسر الموحدة الأولى ‏(‏السبائي‏)‏ بفتح المهملة والموحدة وبالهمزة المقصورة ويقال فيه عمار يقال له صحبة، وقال ابن حبان في ثقاته‏:‏ من زعم أن له صحبة فقد وهم‏.‏ قال في تهذيب التهذيب‏:‏ روى حديثاً واحداً عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏لا إله إلا الله‏"‏، وقيل عن رجل من الأنصار عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏على أثر المغرب‏"‏ بفتح الهمزة والمثلثة أو بكسر الهمزة وسكون المثلثة أي بعده ‏"‏بعث الله له مسلحة‏"‏ قال في النهاية‏:‏ المسلحة القوم الذين يحفظون الثغور من العدو وسموا مسلحة لأنهم يكونون ذوي سلاح أو لأنهم يسكنون المسلحة وهي كالثغر‏.‏ والمرقب يكون فيه أقوام يرقبون العدو لئلا يطرقهم على غفلة فإذا رأوه أعلموا أصحابهم ليتأهبوا له وجمع المسلح مسالح ‏"‏عشر حسنات موجبات‏"‏ أي للجنة ‏"‏موبقات‏"‏ بكسر الموحدة أي مهلكات ‏"‏وكانت له بعدل عشر رقبات‏"‏ أي مثل عتقها والعدل بفتح العين وكسرها بمعنى المثل، وقيل بالفتح المثل من غير الجنس وبالكسر من الجنس وقيل بالعكس‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه النسائي‏.‏